image

من إسرائيل

لندن – اليوم ميديا

تبدو العلاقة بين إيران وإسرائيل على السطح عداءً لا يُطاق، ولكن وراء هذا العداء العلني تكمن حقائق أكثر تعقيدًا وغموضًا. فبينما يتبادل البلدان لغة الصواريخ والاتهامات الحادة، كانت هناك في الماضي، ولا تزال خيوط تجارة مصالح خفية تربط بين الطرفين، تشكل “غرامًا سريًا” لا يظهر إلا في الظل.

عهد الشاه: تحالف ضد القومية العربية

في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، كانت إيران وإسرائيل شركاء استراتيجيين في مواجهة المد القومي العربي الذي كان يتصاعد آنذاك بقيادة أنظمة مثل مصر وسوريا والعراق. كان التحالف بين طهران وتل أبيب قائمًا على مصلحة مشتركة في الحد من نفوذ القومية العربية التي شكلت تهديدًا لكليهما.

تعاون استخباراتي وأمني واقتصادي

إيران قدمت الدعم الاستخباري والعسكري لإسرائيل، في حين استفادت طهران من التعاون التقني والتسليحي الإسرائيلي لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية. هذا التحالف السري كان جزءًا من سياسة إقليمية أوسع تهدف إلى الحفاظ على توازن القوى وتفكيك التحالفات العربية المعادية.

الثورة الإسلامية: قطيعة وعداء عقائدي

مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، طرأ تحول جذري على طبيعة العلاقة بين طهران وتل أبيب. ألغيت الاتفاقيات والتحالفات السابقة، وحل محلها عداء عقائدي صارم، حيث اعتُبرت إسرائيل “الكيان الصهيوني الغاصب” عدواً رئيسياً للإسلام والثورة. تبنت القيادة الإيرانية خطابًا ثوريًا دعا إلى تصدير الثورة ومحاربة إسرائيل بكل الوسائل، مما أطلق موجة من التوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة، وقطع قنوات الاتصال المباشرة بين الطرفين. ومع ذلك، استمرت بعض الخيوط السرية للعلاقات غير المباشرة عبر وسطاء في إدارة مصالح مشتركة رغم العداء الظاهر.

“إيران-كونترا” والحرب ضد صدام حسين

في ثمانينيات القرن الماضي، ومع اندلاع الحرب العراقية–الإيرانية، شهدت المنطقة تحالفات غريبة بقيت طي الكتمان. من أبرز هذه التحالفات كان دور إسرائيل في دعم إيران بصورة غير مباشرة من خلال ما يعرف بـ”فضيحة إيران-كونترا”، حيث قامت إسرائيل بتزويد طهران بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية لمساعدتها في مواجهة القوات العراقية بقيادة صدام حسين.

تحالف الضرورة

هذا الدعم جاء في إطار تحالف الضرورة، حيث كانت مصلحة إضعاف العراق المشترك تدفع الطرفين إلى تعاون تكتيكي رغم العداء السياسي والإيديولوجي. كان هذا التحالف مثالاً صارخًا على كيفية تجاوز الخلافات الكبرى لصالح مصالح استراتيجية مؤقتة في منطقة تحكمها صراعات معقدة ومتداخلة.

من التحالف إلى العداء المفتوح

انقلاب الثورة الإسلامية قلب الموازين رأسًا على عقب، فانهارت العلاقات لتتحول إلى صراع مفتوح على الصعيد الإعلامي والعسكري. لكن رغم العداء العلني، استمرت خيوط تجارة المصالح تلوح في الظل، خصوصًا عبر وسطاء وشبكات معقدة، حيث تُدار صفقات سرية تُغطي على الخصومات السياسية.

آراء خبراء حول العلاقة المعقدة بين إيران وإسرائيل

سألنا الدكتور سامي السعدي، خبير الشؤون الإيرانية والشرق أوسطية:

كيف تفسر استمرار تجارة المصالح بين إيران وإسرائيل رغم العداء العلني؟

يجيب:
“الواقع السياسي لا يخضع للعواطف، بل للمصالح. على الرغم من الخطاب العدائي بين الطرفين، هناك مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية مشتركة تجعل من العلاقة الثنائية شبكة معقدة من الاتصالات السرية والصفقات الخفية. هذه المصالح تمثل نوعًا من ‘الغرام السري’ الذي يحافظ على استقرار نسبي في المنطقة.”

تحدثنا مع الباحث والكاتب السياسي، مهند فواز:

هل تعتقد أن هذه العلاقات السرية ستستمر في ظل التوترات الحالية؟

يقول:
“المنطقة معقدة. حتى في أوقات التوتر، تستمر قنوات التواصل، فكل طرف بحاجة للطرف الآخر، سواء في المفاوضات غير المباشرة أو في إدارة الملفات الأمنية المشتركة. هذه العلاقة ‘الغامضة’ تعكس تعقيدات الواقع الإقليمي”.

وأخيرًا، استطلعنا رأي المحللة السياسية ندى الخطيب:

ما تأثير هذه المصالح على مستقبل الصراع بين إيران وإسرائيل؟

توضح:
“الصراع سيكون مستمرًا، لكن وجود هذه المصالح المشتركة يمنع التصعيد الشامل. ‘الغرام السري’ هذا هو سبب بقاء الطرفين في حالة توازن هش، حيث يُغذي التوتر لكنه يمنع الانفجار الكامل”.

مصالح قذرة ولغة الصواريخ

اليوم، تستمر هذه الحرب الظاهرة بلغة الصواريخ والتهديدات العسكرية، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن هناك مصالح اقتصادية وأمنية غير معلنة تظل حاضرة، لا سيما في ملفات تجارية، تبادل معلومات استخبارية، وحتى في ضبط أزمات إقليمية بعينها. وهذا ما يجعل العلاقة بين طهران وتل أبيب أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، إذ تحكمها لعبة مصالح قذرة تُغذيها موازين القوى المتغيرة.

ختامًا

تكشف قصة “الغرام السري وتجارة المصالح القذرة” أن العلاقات بين إيران وإسرائيل ليست أبيض وأسود، بل هي لوحة معقدة من الألوان المتداخلة. من تحالف قديم إلى عداوة معلنة، ومن مصالح مشتركة إلى صراعات صاروخية، يبقى الملف الإيراني-الإسرائيلي من أكثر الملفات حساسية وغموضًا في الشرق الأوسط، حكاية لا تنتهي بسهولة.