
من تل أبيب بعد الهجوم الإيراني
بينما تتساقط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، ويلتهب الشرق الأوسط على شفير حرب شاملة، يلوذ التنين الصيني بصمتٍ ثقيل. لا تنديد، لا تأييد، لا انحياز. لكن خلف هذا الصمت المريب، تدور في بكين حسابات دقيقة تعيد رسم خريطة النفوذ العالمي. فهل تراهن الصين على انتصار إيران؟ أم أنها ببساطة تنتظر لحظة الانقضاض على مكاسب الحرب؟
لعبة الوقت والفرص
منذ اندلاع التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، اكتفت الصين بدعوة الطرفين إلى “ضبط النفس” في بيان دبلوماسي باهت. لكن خلف الكواليس، تتحرك بكين بحذر شديد لتجنب الظهور كطرف في النزاع، بينما تستفيد من كل تفصيل على الأرض.

يقول البروفسور مارتن ريدلي، من معهد لندن للدراسات الجيوسياسية:
“الصين ليست محايدة كما تبدو. إنها تستغل كل لحظة لصياغة تحالفات طاقوية، وتوسيع هيمنتها الاقتصادية على أنقاض النظام الدولي المتصدّع.”
إيران.. بوابة الصين إلى قلب الشرق الأوسط
طوال العقد الماضي، عمّقت بكين علاقاتها الاستراتيجية مع طهران، من خلال اتفاقيات كبرى تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار، تشمل النفط، والبنى التحتية، والتكنولوجيا العسكرية.
وفي ظل العقوبات الأميركية على إيران، برزت الصين كشريان حياة للاقتصاد الإيراني، تشترى النفط بسعر منخفض وتبيعه في الأسواق الرمادية.
يقول ليو وينغ شاو، خبير الشؤون الدولية في جامعة شنغهاي:
“الصين لا تدعم الحرب، لكنها لا تعارض الانهيار الغربي. استمرار الصراع يخدم مصالح بكين لأنها تملأ الفراغ الذي تتركه واشنطن.”
الخليج وآسيا.. في قلب عاصفة التوتر

بنك الدم الإيراني والإسرائيلي لا ينزف فقط في الجغرافيا، بل في الأسواق أيضًا.
تصعيد الصراع رفع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وأثار مخاوف كبرى لدى الاقتصادات الآسيوية المستوردة للطاقة مثل الهند، كوريا الجنوبية، واليابان.
كما يهدد الصراع أمن مضيق هرمز، الذي تمر عبره أكثر من ثلث إمدادات النفط العالمية.
يقول هيروشي تاكيدا، من مركز طوكيو للسياسات الطاقوية:
“أي تصعيد مباشر في المضيق يعني شلّ إمدادات الطاقة إلى آسيا، ويدفع الصين إلى الإسراع في البحث عن بدائل استراتيجية أكثر أمانًا.”
وهذا ما يفسر تعزيز الصين استثماراتها في موانئ الخليج، وتحالفها التجاري مع الإمارات والسعودية، كخط دفاع اقتصادي بديل في حالة نشوب مواجهة كبرى.
صمت استراتيجي.. أم دعم مبطن؟
رغم أن الصين لا تقدم دعمًا عسكريًا علنيًا لإيران، إلا أن تقارير استخباراتية غربية تحدثت عن نقل تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام قد تعزز القدرات الصاروخية الإيرانية.
لكن الأهم هو أن بكين توفر غطاء دبلوماسيًا لإيران في مجلس الأمن، وتُعطل أي عقوبات جديدة ضدها.
يقول توماس كالدويل، خبير الأمن الدولي في جامعة برينستون:
“الصين لن تقاتل من أجل إيران، لكنها تضمن ألا تُعاقب طهران بقسوة. إنه تحالف غير مُعلن، لكنه فعّال للغاية.”
التأثير على النظام المالي العالمي
التوتر في الخليج يعيد طرح السؤال الذي تكرهه واشنطن:
هل حان وقت فك الارتباط بالدولار؟
الصين تشجع إيران، وروسيا، وعدة دول في “بريكس” على التداول باليوان والعملات المحلية في التبادل التجاري، خاصة في النفط.

الخبير المالي الفرنسي فيليب مارسو يقول:
“كلما طال أمد الحرب، زادت فرص الصين في تقويض هيمنة الدولار عبر نظام دفع بديل. هذا جزء من الصراع الصامت الذي لا يظهر في العناوين، لكنه أخطر من الصواريخ.”
خلاصة: الرابح الصامت
بينما تنشغل إسرائيل وإيران في سباق تدمير متبادل، تبدو الصين كالرابح الوحيد حتى الآن:
- تشتري نفطًا أرخص
- تملأ الفراغ الدبلوماسي
- تُعزز نفوذها في الخليج
- وتُزعزع هيمنة الدولار بهدوء قاتل
الصمت الصيني ليس حيادًا…
إنه دهاء استراتيجي في عالم يشتعل.
لندن: تحليل خاص لـ ‘اليوم ميديا“