
منزل دمره صاروخ باليستي إيراني في تل أبيب - (الغارديان)
بينما تنشغل العناوين بالصواريخ الإيرانية التي تسقط على مدن إسرائيل، والردود الإسرائيلية النارية على المنشآت الإيرانية، يغيب عن الإعلام مشهد آخر لا يقل خطورة: معركة صامتة على النفوذ، والتحالفات، والمصالح الاقتصادية، تُرسم الآن في الكواليس بين الشرق والغرب، وتحديدًا على أرض الشرق الأوسط.
ورغم التصعيد العلني بين إيران وإسرائيل، فإن أزمات المنطقة وتوازناتها تُعاد صياغتها بهدوء في الغرف المغلقة. فما الذي لا تُخبرنا به وسائل الإعلام؟
إسرائيل وإيران.. اللعبة تتجاوز القصف
يرى الخبير الأميركي في شؤون الأمن الإقليمي، ريتشارد ماكفرلين، أن الصراع الحالي ليس مجرد تبادل ضربات، بل هو اختبار فعلي لنفوذ إيران داخل الإقليم بعد سلسلة من الانهيارات التي أصابت حلفاءها.
ويقول: “إيران تخوض هذه الحرب لتؤكد أن يدها لا تزال طويلة في العراق وسوريا ولبنان، بينما تسعى إسرائيل لردعها وكشف هشاشتها الداخلية”.
لكن الأهم من ذلك، كما يضيف، أن واشنطن لا ترغب في القضاء التام على النظام الإيراني، بل إضعافه بما يكفي لإجباره على العودة للمفاوضات بشروط أميركية – إسرائيلية.
اللاعبون الصامتون.. من يحدد مستقبل المعركة؟
فيما يعلو صوت السلاح، يتقدم الفاعلون الإقليميون بخطوات محسوبة. دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تراقب التطورات بحذر. وبحسب باحث خليجي في السياسات الدفاعية، طلب عدم ذكر اسمه، فإن:
“الخليج لا يريد حربًا شاملة، لكنه لن يسمح بانهيار التوازن إذا تمددت إيران أكثر في المنطقة… هناك محادثات أمنية تجري في الخفاء”.
“أما مصر، فتتخذ موقف الحذر المتقدّم، بحسب ما يؤكده باحث مصري فضّل عدم الكشف عن هويته، مشيرًا إلى أن: ‘القاهرة تنظر إلى التصعيد الإيراني الإسرائيلي كخطر استراتيجي يهدد أمن البحر الأحمر وقناة السويس، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن الوقت مناسب لترميم الدور العربي وتوازن القوى في المنطقة.’
ويضيف الباحث أن هذا التوجّه لا يقتصر على مصر وحدها، بل تلتقي فيه مع دول عربية أخرى ترى في اشتعال الجبهة الإسرائيلية الإيرانية فرصة لإعادة التموضع الدبلوماسي، وإبراز الصوت العربي كفاعل إقليمي، بعيدًا عن الاستقطابات الحادة بين الغرب وطهران.
الاقتصاد والغاز.. المعركة الحقيقية؟
في الخلفية، هناك معركة اقتصادية لا تقل ضراوة، فالصراع على خطوط الغاز البحري والممرات الاستراتيجية يتأجج. يرى المحلل الفرنسي جاك لوبيز أن:
"إسرائيل تعتبر أن نفوذها في شرق المتوسط مهدد إذا ما استمرت الحرب، وأن دخول لاعبين كالصين أو روسيا في ملف إعادة الإعمار الإيراني أو السوري سيكون كارثيًا لها".
كما أن تركيا تسعى بصمت لإعادة التموضع كوسيط، بحثًا عن مكاسب اقتصادية، بينما روسيا تراقب من بعيد، وتضغط لضمان بقاء نفوذها في سوريا.
ما لا يُقال في الإعلام
تغفل وسائل الإعلام عن سرد المشهد الكامل، فهي تركز على الصواريخ، لكنها لا تغوص في عمق المعركة التي تدور حول النفوذ والمستقبل السياسي للمنطقة.
الصراع اليوم لا يهدف فقط لتدمير منشآت أو اغتيال قادة، بل لإعادة ترتيب طاولة الشرق الأوسط، بشكل قد يُخرج إيران من دائرة التأثير، أو يعيدها لاعبًا مرنًا بشروط الخصوم.
ويبقى السؤال: هل تتحول الضربات المتبادلة إلى مفاوضات سرية جديدة؟ أم أن الخفايا ستنفجر على السطح في صراع أوسع؟
المصدر: لندن | اليوم ميديا