image

اصطف سائقو السيارات في محطة وقود بطهران

اليوم ميديا – إعداد: نادين زهراني | خاص من طهران

في ليلٍ طهرانيٍّ ثقيل، لا صوت يعلو فوق دويّ الانفجارات. لا الأذان، ولا زحام المدينة، ولا حتى صخب المقاهي الذي كان يملأ الأمسيات. كل شيء سقط تحت رماد الحرب، ولم يبقَ سوى الخوف يتسلّل بين جدران البيوت، وتنهّدات أمهاتٍ تمسح وجوه أطفالهن المرتجفة.

العاصمة الإيرانية لم تعد مدينة، بل قفصٌ مغلق على ملايين الأرواح المتعبة، وسط صراع بين قوتين لا مكان فيه للضعفاء: إسرائيل وإيران. الحرب لا تدور فقط فوق الأرض، بل تتسرّب إلى داخل النفوس، إلى تفاصيل الحياة اليومية، إلى صوت خبز يُفقد من الأرفف، وزيتٍ يختفي، وماءٍ يُقنَّن.

لا ملاجئ.. لا أمان

في حيّ “سعدات آباد” الراقي، اعتاد السكان رفاهية الحياة، لكن ليلة السبت الأخيرة بدّدت كل أوهام الطمأنينة. صواريخ سقطت على بعد كيلومترات، وزجاج النوافذ تكسّر من ضغط الانفجارات. عائلات هرعت إلى أقبية البنايات، لا تحمل معها إلا الأطفال والحقائب والصلوات المرتجفة.

تقول سارا نجفي، معلمة ثلاثينية، لـ “اليوم ميديا”:
“طفلي سألني إن كنا سنموت الليلة، ولم أعرف بم أجيب. لا نملك ملاجئ، فقط قبو مظلم نلجأ إليه مع كل صفّارة إنذار.”

رئيس بلدية طهران أعلن فتح أنفاق المترو كملاجئ طارئة، في مشهدٍ أعاد إلى الذاكرة أيام الحرب مع العراق. لكن الخبير العسكري البريطاني مارك باكستر من مركز “ستراتفو” يحذّر:
“إيران لديها ردع عسكري، لكنها منعدمة الحماية مدنيًا. البنية التحتية معدومة لأي حرب جوية، ما يضاعف الخسائر الإنسانية بسرعة مفزعة.”

الهروب إلى الشمال.. وجدران من اليأس

الطريق إلى الشمال، نحو بحر قزوين، غدا الممر الوحيد للخلاص. آلاف السيارات، محمّلة بعائلات تحاول النجاة. لكن الاختناقات المرورية، وانعدام الوقود، ومشهد الأطفال النائمين في أحضان أمهاتهم داخل السيارات، جعل من “الهروب” تكرارًا تراجيديًا لما عرفته دمشق وغزة وبيروت.

يقول الخبير الاجتماعي مهدي فراهاني من جامعة طهران:
“ما نعيشه اليوم ليس فقط نزوحًا من الخطر، بل من الإحساس بالخذلان. الإيرانيون يشعرون أنهم تُركوا وحدهم في العاصفة.”

بين المطرقة والسندان

الضربات الإسرائيلية تستهدف البنية النووية، لكن الكارثة تتساقط على رؤوس المدنيين.
يقول جوليان كروس، خبير شؤون الشرق الأوسط من مركز أتلانتيك:
“إسرائيل تسعى لتقييد قدرات إيران النووية، لكن الثمن تُدفعه العائلات. هذا النوع من الحرب المفتوحة يعيد المنطقة إلى عصر الغارات العشوائية وتجاهل قواعد الحرب.”

الصور التي تتوالى من طهران تروي قصصًا عن مدن كبيرة تنكفئ إلى أقبية، عن أسواق خاوية، وقلق يتغلغل في تفاصيل المعيشة. لا أحد يعرف متى تنفجر الصواريخ مجددًا، ولا أين ستكون الضربة القادمة.

“لسنا وقودًا لحرب الآخرين”

في رسالة إلكترونية، قالت ليلى، أم لطفلتين:
"كنت أغني لابنتي كي لا تسمع صوت الانفجارات.. لكنها كانت تقرأ الرعب في وجهي. هذه ليست حربنا، فلماذا نموت فيها؟"

دعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للإيرانيين بالانتفاض على نظامهم لم تلقَ صدى لدى الشارع، بل زادت من شعورهم بأنهم ضحايا لعبة دولية أكبر منهم.

يقول شاب من حيّ "كرج":
"نحن نكره القمع، نعم، لكننا لا نقبل أن يُقصف وطننا باسم تحريرنا. لا نريد نيرًا جديدًا من الخارج."

محاولة عربية لتطويق الجحيم

وسط الانهيار، تحرّكت الرياض. في الساعات الأخيرة، أجرت السعودية اتصالات مع واشنطن، باريس، أنقرة، وطهران. مصادر دبلوماسية تحدثت لـ "اليوم ميديا" عن "مبادرة خجولة لوقف التصعيد"، لكن لا أحد يملك ترف التفاؤل.

تقول د. ليلى الرميحي، خبيرة العلاقات الدولية في معهد الدوحة:
"إذا لم يُرسم خط أحمر واضح لحماية المدنيين، فإننا على أعتاب كارثة إقليمية لا يشبهها شيء. الشرق الأوسط ينهار من الداخل، والرهان الوحيد الباقي هو على الإنسانية، إن بقي لها صوت."


في طهران، الوطن لم يعد وطنًا، بل زنزانة بحجم مدينة. وبينما تتصارع "العمالقة" على الهيمنة، يبقى الإنسان الإيراني، في أقبيته المظلمة، ممزقًا بين صمت العالم وضجيج الحرب. فهل من يسمع

    اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن. 

    جميع الحقوق محفوظة © ARAB PRESS HOUSE