
أرشيفية
علي عبد الرحمن – اليوم ميديا
بينما تتسابق الأعمال الفنية العربية نحو منصات البث العالمية، يظل سؤال الهُوية حاضرًا بإلحاح: هل تقدّم هذه الأعمال الإنسان العربي في عمقه وتشابكه الثقافي؟ أم تكتفي بإعادة إنتاج سرديات الألم والمعاناة لتنال الرضى الدولي؟
الدراما العربية، وهي تتسلل إلى شاشات المشاهدين حول العالم، تجد نفسها عالقة بين طموح الانتشار ومتطلبات السوق، وبين محاولات الحفاظ على الأصالة ومغريات التكيف مع الذائقة العالمية.
في مشهد يشهد تحوّلًا متسارعًا، لم تعد القصة العربية تروى فقط للعرب. مسلسلات مثل “مدرسة الروابي للبنات” تكسر الصورة النمطية للمعاناة المادية، وتغوص في صراعات الهوية والحداثة والطبقية في مجتمعات عربية تتأرجح بين التقليد والانفتاح. بينما يعود “الهيبة” إلى سردية العشيرة والصراع على الكرامة في هامش المجتمع، محافظًا على الطابع الشعبي، لكنه يعيد تكرار رموز العنف والذكورية كأنها جزء من الهوية العربية.
لكن الإشكالية الأكبر تكمن في فرض نموذج سردي “عالمي” على أعمال محلية. في مسلسل “ما وراء الطبيعة”، نشهد محاولة مزج الفانتازيا الغربية بالخيال العربي، لكنها خففت من التوتر الثقافي الذي يجعل النص محليًا وحيويًا، فتاه العمل بين جمهورين دون أن يُرضي أياً منهما بالكامل.
على الجانب الآخر، يبرز مسلسل “القضية 404” كنموذج إيجابي، حيث يُقدَّم خطاب إنساني عميق حول الإعاقة والصحة النفسية بعيدًا عن الاستعطاف، مستندًا إلى سرد حقيقي ومنفتح. هذه الأعمال تثبت أن الدراما العربية قادرة على أن تكتب وجعها، ولكن بطريقة تُنتج الأمل لا الاستهلاك العاطفي.
النقاد، ومنهم مصطفى الكيلاني ورامي المتولي ومنة عبيد، يجمعون على أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في الشكل، بل في مضمون تتحكم فيه جهات إنتاج كبرى، غربية وعربية، تُفرض من خلالها قوالب جاهزة تُحدد ما يُقال وما يُمنع. والنتيجة؟ دراما مشوهة بين رغبة في الاعتراف العالمي وخوف من فقدان الذات.
الدراما العربية اليوم مطالبة بأن تكتب سرديتها بنفسها، أن تتجاوز دور الضحية وتكسر خطاب الشفقة، أن تصنع من قصص الإنسان العربي مرآة لا تبكيه فقط، بل تنعكس فيها قوته، وتطلعاته، وإصراره على الحياة.