
جميعهم أبنائي، وسيكون لهم جميعًا نفس الحقوق. لا أريد أن يفرقهم أحد بعد وفاتي"
في زمن أصبح فيه إنجاب طفل واحد قرارًا مصيريًا، يتصدر ملياردير روسي العناوين بعد أن أعلن إنجابه أكثر من 100 طفل حول العالم.
إنه بافيل دوروف، مؤسس تطبيق “تيليغرام”، الذي صدم الرأي العام مجددًا حين قال لصحيفة لوبوان الفرنسية:
“جميعهم أبنائي، وسيكون لهم جميعًا نفس الحقوق. لا أريد أن يفرقهم أحد بعد وفاتي.”
هذا التصريح لم يكن مجرد لفتة إنسانية من رجل أعمال متفرد، بل كشف عن مخطط إنجابي واسع النطاق، يمتد عبر 12 دولة، من خلال تبرعه بالحيوانات المنوية لنساء غير معروفات، منذ أكثر من 15 عامًا. واللافت أنه يموّل شخصيًا علاجات التلقيح الصناعي في عيادة “ألترافيتا” بموسكو، لتشجيع المزيد من النساء على استخدام “حمضه الوراثي”، كما وصفه في منشور سابق على تيليغرام.
“واجب مدني”.. أم استثمار بيولوجي؟
ما الذي يدفع مليارديرًا منعزلًا، لا يؤمن بالزواج، إلى إنجاب هذا العدد الهائل؟ يجيب دوروف: “المدير الطبي أخبرني أن هناك نقصًا في التبرعات عالية الجودة، واعتبرت الأمر واجبًا مدنيًا”.
لكن، كما تنقل صحيفة الغارديان البريطانية، فإن سلوك دوروف يتجاوز فكرة التبرع النبيل إلى مشروع شخصي يحمل ملامح الهندسة الاجتماعية الحديثة، حيث لا تُحدد القيم بعدد الأبناء، بل بمن يملك توزيع الجينات كما توزع الأسهم.
صدمة أخلاقية في زمن الجينات
إن كان تبرع دوروف قد بدأ بدافع مساعدة صديق، فإن تحوّله إلى “أب جماعي” يثير أسئلة أخلاقية معقدة: ماذا سيحدث حين يكتشف أحدهم أن له 99 شقيقًا حول العالم؟ هل من الممكن وقوع سفاح محارم غير مقصود؟ كيف نضمن الصحة النفسية للأطفال الذين ولدوا من “رغبة بيولوجية” لا يعرفون صاحبها إلا في العناوين؟
الغارديان تُذكّر بما حدث في هولندا مع جوناثان جاكوب ماير، الذي أنجب مئات الأطفال عبر التبرع، ما أجبر السلطات على حظر تبرعاته لاحقًا، بعد أن أصبح تهديدًا ديموغرافيًا محتملاً.
وفي حالة أخرى ذكرتها الصحيفة، تبيّن أن أحد المتبرعين كان يحمل طفرة وراثية مسببة للسرطان، وقد استُخدم حيوانه المنوي لإنجاب 67 طفلًا على الأقل، ما فجر جدلًا طبيًا حول غياب الرقابة الجينية.
تنظيم غائب.. وفوضى عالمية
في بعض الدول مثل فرنسا والسويد، هناك حدود وطنية صارمة (5 إلى 10 أطفال كحد أقصى للمتبرع)، بينما في دول مثل روسيا والولايات المتحدة، لا توجد أي قوانين ملزمة. بنك كاليفورنيا للحيوانات المنوية مثلاً، يوصي بـ30 عائلة فقط لكل متبرع، بينما يضع البنك الأوروبي حدًا عند 75 عائلة. لكن السوق السوداء الرقمية التي تنشط عبر مجموعات فيسبوك ومنصات خاصة، تجعل من السهل تجاوز هذه الحدود دون رقابة.
أوروبا تستيقظ أخيرًا
الملف أصبح على طاولة الاتحاد الأوروبي.
ثماني دول أوروبية، منها بلجيكا والسويد، رفعت مذكرة لوزراء الاتحاد تطالب بحد دولي ملزم على عدد الأطفال المسموح إنجابهم من متبرع واحد.
قال مسؤول بلجيكي لصحيفة بوليتيكو:
"لقد تُركت هذه القضية بلا حل لفترة طويلة. تنظيم عالمي صارم هو الخطوة التالية لحماية الأطفال وكرامتهم."
حين يصبح الأبناء أرقامًا
هل من الطبيعي أن يحمل طفل في كينيا وآخر في النرويج وآخر في بيرو نفس الأب الجيني دون أن يعرفوا ذلك؟ هل ننتقل من ظاهرة "الأب الغائب" إلى "الأب المتعدد"؟
المال يمكنه أن يصنع المستقبل، لكن لا ينبغي له أن يصوغ النسب كمنتج، والقرابة كاختيار فردي في مختبر.
في عصر الذكاء الاصطناعي، يبدو أن أخطر قرار ليس ما تكتبه الآلات، بل من يقرر شكل البشرية القادمة. ودوروف، بصمته الحيوية، قرر أن يترك أثره، لا عبر التكنولوجيا فحسب، بل عبر نسلٍ لا يعرف حدًا.
من وحدة قضايا الفكر والمجتمع – لندن – اليوم ميديا