
الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض
مريم عيسى – (لندن)
في مشهد غير مسبوق يهدد أحد أعمدة القوة الاقتصادية والعلمية للولايات المتحدة، فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، النار على كبرى الجامعات الأميركية، مهددًا تمويلها الفيدرالي، ومثيرًا موجة من القلق داخل الأوساط الأكاديمية والاقتصادية.
التعليم.. كنز أميركا المهدد
لطالما اعتُبر التعليم العالي أحد أهم صادرات الولايات المتحدة، حيث تُظهر بيانات منظمة NAFSA غير الربحية أن أكثر من 1.1 مليون طالب دولي ساهموا بنحو 44 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي خلال العام الدراسي 2023-2024، وساهموا في دعم أكثر من 378 ألف وظيفة، تتوزع من 10 ملايين دولار في ألاسكا إلى أكثر من 6 مليارات دولار في كاليفورنيا.
ولا يقتصر إنفاق الطلاب الدوليين على الرسوم الدراسية فقط، بل يمتد إلى الإيجارات والمطاعم والنقل والخدمات، مما يجعل التعليم العالي بمثابة رافعة اقتصادية قومية. ووفق مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، جاء التعليم الدولي في المرتبة العاشرة بين أبرز صادرات أميركا.
“حرب” ترامب: جامعات في عين العاصفة
في خضم صراع سياسي متصاعد، وجه ترامب سهامه نحو مؤسسات التعليم العالي، مهددًا بقطع مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي عنها، مستهدفًا أبرز الجامعات، من بينها:
- جامعة هارفارد: على المحك ما يقارب 9 مليارات دولار، وتم بالفعل سحب جزء كبير من تمويلها، وسط توجه لإلغاء العقود الفيدرالية المتبقية.
- جامعة براون: مهددة بخسارة 510 ملايين دولار.
- جامعة كولومبيا: ألغيت منحها وعقودها بقيمة تقارب 400 مليون دولار.
- جامعة كورنيل: يُرتقب خفض تمويلها بأكثر من مليار دولار.
- جامعة نورث وسترن: تواجه خسارة تمويل بقيمة 790 مليون دولار.
- جامعة بنسلفانيا: تم تعليق تمويل بنحو 175 مليون دولار، بسبب جدل حول رياضي متحول جنسيًا.
تداعيات خطيرة على الأبحاث والاقتصاد
في جامعة هارفارد، توقفت مشاريع بحثية حيوية كانت مموّلة بمئات الملايين من الدولارات، تشمل أبحاث السل، والتصلب اللويحي، والصحة العامة. أما في جامعة بنسلفانيا، فقد تتوقف مشاريع متقدمة في الحوسبة الكمومية، والأمن السيبراني، ومكافحة الفيروسات، وبرامج الدعم المالي للطلاب.
ورغم امتلاك هارفارد صندوق وقف بقيمة 53 مليار دولار، إلا أن مستقبلها بات محفوفًا بالمخاطر، ما دفعها مؤخرًا لإصدار سندات بقيمة 750 مليون دولار لتغطية العجز الطارئ.
الجامعات.. ضحية معركة هوية أميركية
يصف مراقبون هذه الحملة بأنها ليست مجرد مسألة تمويل، بل “معركة هوية” تستهدف الجامعات كمراكز للفكر الليبرالي، وحرية التعبير، والأبحاث المتقدمة. وتمثل هذه المؤسسات، تاريخيًا، صمّام أمان للديمقراطية الأميركية، ومصدرًا لقوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.
لكن ترامب، في سعيه لإعادة تشكيل المؤسسات الأميركية، يضع هذا الإرث برمّته على المحك.