في مناطق الحرب، لا تُحتسب الطفولة بالسنوات، بل بعدد مرات النجاة. وفي كل بيت محاصر، مهدٌ صغيرٌ يرتجف، وعيون بريئة تسأل عن الأمان بلغة لا تجد من يترجمها.
“الطفل في بيئة النزاع لا ينام، بل يختبئ بين نبضه وخوفه” هكذا تلخص د. أمينه ناصر، أخصائية العلاج النفسي للأطفال، المشهد المرعب الذي يعيشه ملايين الأطفال في مناطق النزاع. وتتابع: “لا نتحدث فقط عن اضطرابات نفسية، بل عن تشوه مبكر في إدراك العالم، وتشكيك في معنى الحياة نفسها”.
الطفولة في زمن الرصاص
في السودان، سوريا، اليمن، غزة، ليبيا، وأوكرانيا… الحرب لا تفرّق بين جندي ورضيع، ولا تُمهل الأمهات لحظة أمان. أطفال يُولدون تحت القصف، يكبرون على صور الركام، ويتعلمون أسماء الأسلحة قبل أسماء الحروف.
تقرير لمنظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) يُظهر أن واحدًا من كل خمسة أطفال حول العالم يعيش في منطقة نزاع مسلح – أي ما يعادل أكثر من 450 مليون طفل.
وفي كثير من الأحيان، تكون الضربة القاضية نفسية أكثر منها جسدية. تقول رانيا شهاب، المستشارة في مجال الإغاثة النفسية:
“بعض الأطفال يظلون على قيد الحياة، لكن أرواحهم تبقى تحت الأنقاض”.
مدارس بلا سقف.. أحلام بلا جدران
الحرب لا تدمّر البيوت فقط، بل تمزق دفاتر الطفولة. المدرسة، التي يُفترض أن تكون ملاذًا للأمل، أصبحت هدفًا في مناطق عدة. تُحوّل الفصول الدراسية إلى ملاجئ، أو إلى ذكرى.
ووفقًا لليونسيف، فإن نحو 72 مليون طفل في سن الدراسة حُرموا من التعليم بسبب النزاعات.
ندوب غير مرئية.. آثار طويلة الأمد
حتى بعد توقف إطلاق النار، لا يعود كل شيء إلى طبيعته. الأطفال الذين نشأوا في بيئة عنف وصدمات متكررة، هم أكثر عرضة للقلق، الكوابيس، العدوانية، والتسرب المدرسي، بل وحتى التطرف.
“إذا لم يُعالج هذا الجرح مبكرًا، فإننا لا نحمي الطفل فقط، بل نحمي مستقبل المجتمع بأكمله”، يقول د. صلاح مراد، أستاذ علم النفس الاجتماعي.
هل من ضوء؟
في قلب هذا السواد، لا تزال هناك محاولات للإنقاذ. مساحات آمنة، برامج دعم نفسي، مبادرات تعليمية متنقلة… كلها محاولات لزرع بذرة حياة وسط الركام. لكنّها تظلّ حلولًا إسعافية، ما لم يُعالج السبب: الحرب نفسها.
خلاصة اليوم ميديا:
الطفولة لا تنام في الحرب، بل تتألم بصمت.. وكل قذيفة تُطلَق على حيّ سكني، تخلّف وراءها عشرات الأسِرّة الخالية، وأحلامًا لم تكتمل.
ما لم تتوقف الحروب، لن يكون السلام مجرد اتفاق سياسي… بل سيكون حقًا مسلوبًا من جيلٍ بأكمله.