
من الكتاتيب المصرية
لندن – (اليوم ميديا)
عادت الكتاتيب إلى واجهة الجدل في مصر، بعد عقود من تراجع دورها التعليمي، وذلك مع طرح مبادرة حكومية بدعم رئاسي لإعادة إحيائها، بهدف “بناء الشخصية المصرية الوسطية”. لكن بينما رحّب البعض بهذه الخطوة باعتبارها عودة للجذور، رأى آخرون أنها قد تمثل ارتدادًا تربويًا قد ينعكس سلبًا على الأجيال الجديدة.
من المعبد إلى الكُتاب.. إرثٌ قديم يتجدد
عرفت مصر منذ العصر الفرعوني ما يُشبه الكتاتيب، حينما كانت تُعرف بـ”مدارس المعبد”، وازدهرت بشكل أوسع مع دخول الإسلام. وقد خرّجت هذه المؤسسات البسيطة أسماء لامعة من المفكرين والعلماء مثل رفاعة الطهطاوي وطه حسين.
وفي ديسمبر الماضي، أطلقت وزارة الأوقاف مبادرة رسمية لإحياء الكتاتيب، معتبرة أنها وسيلة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم الدين الإسلامي وفق “المنهج الأزهري الوسطي”، مع التركيز على بناء الشخصية الوطنية المتوازنة.
الجدل يتجدد تحت قبة الشيوخ
في الأيام الأخيرة، تصاعد الجدل مجددًا خلال جلسة مجلس الشيوخ المصري لمناقشة الضريبة العقارية، حين رفض النائب السيد عبد العال منح إعفاء ضريبي للمراكز الدينية (الكتاتيب)، داعيًا إلى توجيه التمويل للتعليم الأساسي بدلًا من “تكرار تجارب لا تخضع للرقابة”.
وقال عبد العال، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية:
“الكتاتيب ليست حلًا لمشكلات التعليم ولا بديلًا عن التربية الدينية في البيت والمدرسة، كما أنها قد تفتح الباب لتعليم ديني انتقائي يولّد التشدد بدلًا من الاعتدال”.
وأضاف:
“من الأولى أن نطوّر المدارس ونرفع رواتب المعلمين بدلًا من إنفاق أموال الدولة على كتاتيب غير خاضعة للرقابة، خاصة أن لا نماذج مماثلة للمسيحيين، وهو ما قد يكرّس للتمييز الديني”.
تأييد ديني مشروط
في المقابل، دافع النائب أسامة العبد، وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، عن عودة الكتاتيب، معتبرًا أنها “أسهمت في تخريج أجيال مشرفة”، ومؤكدًا على ضرورة الرقابة على محتوى التعليم ومؤهلات المحفظين.
وقال العبد لـCNN:
“لم نرَ أحدًا متطرفًا كان حافظًا حقيقيًا للقرآن”، داعيًا إلى تحفيز الأطفال للالتحاق بالكتاتيب عبر الجوائز، ومنح الحوافز للمحفظين الأكفاء، مع رقابة صارمة تمنع أي اختراق فكري أو سلوكي.
❓ بين التربية والرقابة.. أي دور للكتاتيب اليوم؟
الجدل إذن لا يدور فقط حول فكرة الكُتّاب، بل حول مضمون ما يُدرّس فيه، ومن يدرّسه، وتحت أي مظلة رقابية. هل نعيد إحياء تراث تربوي راقٍ، أم نمنح فرصة جديدة لخطابات لا تخضع لسلطة المنهج العلمي؟ وهل نضمن فعلاً وسطية التعليم في زمن الاستقطاب؟
في ظل أوضاع تعليمية متردية، وغياب الثقة في المؤسسات الدينية لدى بعض الشرائح، تُطرح الكتاتيب كحل سريع. لكنها أيضًا تطرح أسئلة عميقة حول دور الدولة في التعليم الديني، وحدود تدخلها، ومعايير الرقابة.