
لندن – اليوم ميديا
في تحقيق جديد يُعيد إلى الواجهة شبح “بيغاسوس”، كشف “سيتيزن لاب” – أحد أبرز مراكز الأبحاث الرقمية بجامعة تورنتو – عن استخدام برنامج تجسس إسرائيلي متطور لاستهداف صحفيين بارزين في أوروبا، بينهم محررون في موقع “Fanpage.it” الإيطالي الاستقصائي.
البرنامج، المعروف باسم “غرافيت” (Graphite)، طورته شركة “باراغون” (Paragon) الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة، وعلى رأس داعميها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك. ووفقًا للتحليل الجنائي للمختبر الكندي، فقد تم اختراق أجهزة آيفون وأندرويد دون علم المستخدمين أو تفاعلهم، وهي خاصية تصنّف “غرافيت” ضمن أخطر أدوات التجسس في العالم.
صحافة تحت المراقبة
من بين المستهدفين:
- سيرو بيليغرينو، رئيس تحرير مكتب نابولي في Fanpage.it، تلقى إشعارًا من “أبل” في 29 أبريل يؤكد تعرض هاتفه لعملية تجسس.
- زميله فرانشيسكو كانسيلاتو، رئيس تحرير الموقع، تم إعلامه من “ميتا” بأن هاتفه الأندرويد كان مستهدفًا كذلك، رغم عدم إثبات إصابته فعليًا.
والأخطر، بحسب تقرير سيتيزن لاب، أن صحفيًا أوروبيًا ثالثًا بارزًا – لم تُكشف هويته – كان ضمن المستهدفين بنفس الأداة.
الاختراقات، بحسب التحليل، جاءت عبر هجمات إلكترونية متقدمة استغلت ثغرات في نظام iOS، وقد سارعت “أبل” إلى تصحيحها، لكن الأسئلة عن المتورطين ما زالت تتصاعد.
حكومة ميلوني في مرمى الاتهام
الفضيحة ضربت حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في مقتل، خاصة وأنها تتزامن مع تحقيقات أجرتها لجنة الرقابة البرلمانية على أجهزة الاستخبارات (COPASIR)، والتي أكدت مراقبة بعض نشطاء المجتمع المدني باستخدام برنامج “غرافيت”، لكنها بررت ذلك بأنه تم “بموجب القانون وبأوامر قضائية”، خاصة في ملفات تتعلق بـ”الهجرة غير الشرعية” و”الأمن القومي”.
رغم ذلك، يرى مراقبون أن استخدام أدوات تجسس شديدة التقدم كهذه ضد الصحفيين يهدد مبادئ الحريات في دولة أوروبية ديمقراطية، خصوصًا أن فريق Fanpage.it كان قد نشر في السابق تحقيقًا مصورًا اخترق جناح الشباب في حزب “إخوة إيطاليا” اليميني بزعامة ميلوني، وكشف عن تصريحات عنصرية وفاشية داخل صفوف الحزب.
ورفض مكتب رئيسة الوزراء التعليق، في حين قال نائب رئيس لجنة الرقابة البرلمانية جيوفاني دونزيلي إن تقارير سيتيزن لاب “أقل موثوقية من التحقيقات الرسمية الإيطالية”.
صناعة تحت المجهر
شركة “باراغون”، التي استحوذت عليها شركة أمريكية خاصة في صفقة بقيمة 500 مليون دولار نهاية 2024، سعت لتقديم نفسها كلاعب “أخلاقي” في سوق برامج التجسس، ونجحت في الفوز بعقود رسمية أمريكية، بينها عقد بقيمة مليوني دولار مع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لتوفير أدوات دعم للهجرة والجمارك.
لكن فضيحة التجسس الأخيرة تعقّد مستقبلها، خصوصًا في ظل الأمر التنفيذي الصادر عام 2023 عن البيت الأبيض، والذي يمنع التعامل مع شركات ساعدت في انتهاك حقوق الإنسان أو استهداف الصحفيين والمعارضين.
وبينما تؤكد “باراغون” أنها أنهت تعاملها مع الحكومة الإيطالية بسبب “عدم تعاونها” في التحقيق بقضية كانسيلاتو، تقول السلطات الإيطالية إنها هي من أنهت العلاقة بسبب “مخاوف تتعلق بالأمن القومي”.
بيغاسوس.. بنسخة جديدة؟
قال الباحث البارز في “سيتيزن لاب” جون سكوت رايلتون إن “باراغون” أصبحت غارقة في نوع الفضيحة التي اشتهرت بها مجموعة NSO الإسرائيلية المطورة لبرنامج “بيغاسوس”، مضيفًا:
“المشكلة ليست في تفاحة فاسدة.. بل في الطريقة التي تُدار بها صناعة التجسس بالكامل.”
وأردف رايلتون أن برنامج “غرافيت” أخطر من “بيغاسوس” من ناحية:
- قدرته على اختراق الهاتف دون أي نقر أو تحميل
- إمكانيته في الوصول إلى تطبيقات مشفرة مثل واتساب وسينغال
ميتا، المالكة لـ”واتساب”، كانت قد أكدت سابقًا أن “غرافيت” استهدف أكثر من 90 مستخدمًا في 20 دولة على الأقل، وأرسلت للشركة المطورة خطابًا قانونيًا لوقف الهجمات.
خلاصة
- فضيحة تجسس تمس أوروبا، وتهدد مصداقية حكومة يمينية في إيطاليا.
- أدوات التجسس الإسرائيلية، حتى المدعومة من واشنطن، لا تزال تُستخدم ضد صحفيين ونشطاء.
- الفجوة القانونية في الدول الديمقراطية تتيح استغلال “برامج مرتزقة” للتجسس السياسي.