image

محمد بن زايد

مع تفجر الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل، يقف الشرق الأوسط على حافة انفجار قد يطال أكثر من حدود الدولتين. تبادل الصواريخ وتصاعد الخطابات التحذيرية لا يشيران إلى مواجهة محدودة، بل إلى زلزال جيوسياسي يهدد استقرار المنطقة ويهز الأمن العالمي.

في قلب هذا المشهد المضطرب، تبرز الإمارات كلاعب إقليمي حكيم، يزن خطواته بدقة ويختار الدبلوماسية بوصفها الورقة الأقوى حين تعجز الحلول الأخرى. تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تتحرك أبوظبي وفق رؤية استراتيجية واعية، تستبق التوترات، وتثبت نفسها كقوة تأثير لا خصم مواجهة.

تصاعد الدخان من أحد المواقع في مدينة حيفا (CNN) غيتي إميجز

التهديدات تتجاوز الخليج

التصعيد لا يهدد إيران وإسرائيل فقط، بل يمس عمق الخليج العربي؛ ممراته البحرية الحيوية، أسواق الطاقة المتقلبة، ومراكزه المالية العالمية. وبالنسبة للإمارات، التي تشارك إيران حدودًا بحرية ومصالح اقتصادية مشتركة، فإن أي توتر يُعتبر تهديدًا مباشراً لأمنها القومي، وللنسيج الاجتماعي المتنوع الذي يضم جالية إيرانية فاعلة اقتصاديًا وثقافيًا.

دبلوماسية الجوار الرشيد

رغم التاريخ المليء بالتوترات، حافظت الإمارات على قنوات تواصل دائمة مع طهران، مدركةً أن إدارة الجوار لا تقوم على العواطف أو الشعارات، بل على براغماتية تبني الاستقرار وتتفادى الانزلاق نحو الصراعات.

  • كارل شميت، دبلوماسي ألماني متقاعد، لـ”اليوم ميديا”:
    “الإمارات تتعامل مع إيران بحذر معمق. كل صاروخ يُطلق في الخليج قد يصيب قلب دبي، لذلك تختار أبوظبي الحياد الإيجابي، وتتجنب الانجرار إلى صراعات مدمرة.”
  • إيثان كولبيرغ، باحث في “معهد بروكينغز”:
    “العلاقة بين أبوظبي وطهران ضرورة جيوسياسية قائمة على التوازن والواقعية، لا على المواجهة.”
  • جاكوب ستيفنز، من “معهد الدراسات الإستراتيجية الأوروبية”:
    “الإمارات تعتمد سياسة متوازنة، تجمع بين الحذر والحكمة، فتصعيد الصراع سيضرّ بها أكثر من غيرها، ما يجعلها قوة استقرار في منطقة شديدة التعقيد.”

اتفاقيات إبراهيم: استراتيجية التوازن مع إسرائيل

رغم متانة العلاقات التي بنتها الإمارات مع إسرائيل عبر اتفاقيات إبراهيم، لم تتحول هذه الشراكة إلى انحياز أعمى، بل إلى توازن دقيق يفصل بين المصالح المتبادلة والمواقف من القضايا الإقليمية.

  • روبرت كينغستون، من “مركز ستراتفور”:
    “الإمارات ليست لاعبًا رمزيًا، بل قوة إقليمية ذات نفوذ. تملك القدرة على مخاطبة طهران وتل أبيب بحكمة تعكس وعياً عميقًا بالتحديات.”
  • جوناثان بيل، باحث في جامعة تورنتو:
    “محمد بن زايد يبني نفوذه عبر دبلوماسية متقنة، تعكس عمق الحكمة والرصانة، وعلاقته بإسرائيل نموذج نادر للسلام الذكي، الذي يرسخ الاستقرار في قلب العاصفة.”
الدمار في طهران (غيتي) من المصدر

شبكة دبلوماسية في قلب الأزمة

مع اشتداد وتيرة الهجمات، شق محمد بن زايد طريقه على خط التهدئة، من خلال اتصالات مكثفة شملت قادة إيران وتركيا وفرنسا وإيطاليا والعراق وبريطانيا. وفي اتصال مباشر مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، جدد تضامن الإمارات مع الشعب الإيراني ودعا إلى ضبط النفس.

  • جان بيير لومير، من “معهد مونتينيه”:
    “محمد بن زايد لا يتصرف كوسيط شكلي، بل كقائد يتحرك في مناطق لا يجرؤ الآخرون على الاقتراب منها، مستفيدًا من مرونته وفهمه العميق للتوازنات الإقليمية.”

أبوظبي وصناعة القرار الدولي

تتمتع الإمارات بعلاقات استراتيجية متينة مع واشنطن وباريس ولندن وأنقرة، مما يمنحها هامش تحرك أوسع من جيرانها. الشيخ محمد بن زايد تجاوز دور الوسيط إلى أن يكون لاعباً فاعلاً في صنع القرار الدولي خلال أزمات المنطقة.

  • ريتشارد أندروز، من “مجلس العلاقات الخارجية”:
    “رغم خطاب ترامب الناري، فإن أبوظبي تحتفظ بقناة تواصل فريدة مع البيت الأبيض، وقد تكون صوت التهدئة الحاسم في لحظات التوتر.”

منظور آسيوي: دبلوماسية محمد بن زايد بين الصين والهند وإيران

  • كيشور سينغ، خبير العلاقات الدولية في “معهد الدراسات الآسيوية”:
    “الإمارات، بقيادة محمد بن زايد، تنسج علاقات استراتيجية مع قوى صاعدة كالصين والهند. هاتان الدولتان تتشاركان مع الإمارات حرصًا على استقرار الخليج، بما يضمن استمرارية إمدادات الطاقة والتجارة العالمية. هذا الجسر الدبلوماسي الجديد الذي تخلقه أبوظبي يضع قيودًا على خيارات طهران في التصعيد، ويعزز مكانة الإمارات كلاعب إقليمي ذا نفوذ عالمي.”

صوت العقل والتوازن

في زمن تتغلب فيه النزاعات والاندفاعات، اختارت الإمارات أن تكون صوت العقل والتوازن. تحركاتها ليست مجرد مبادرات دبلوماسية عابرة، بل مسعى حقيقي لإنقاذ المنطقة من دوامة الانهيار. نجاح أبوظبي في هذا المسعى سيرسخ موقعها كقوة مسؤولة وقادرة على صنع السلام في الشرق الأوسط الجديد، بينما سيكون أي إخفاق خسارة على مستوى الإقليم بأسره.

تحليل خاص – لندن | فريق التحرير – اليوم ميديا