image

من آثار التدمير في تل أبيب

تشهد الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط تحولات جوهرية مع تصاعد المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، وسط مخاوف متزايدة من تداعيات هذا النزاع على دول الخليج وعلى رأسها السعودية. إذ تبدو الرياض اليوم في موقع جديد يعكس تغيرًا استراتيجيًا واضحًا في مواقفها وسياساتها، ما يشير إلى أنها لم تعد المحايد الذي يعرفه الجميع، بل أصبحت لاعبًا نشطًا يُعيد رسم قواعد اللعبة في المنطقة.

خلفية التوترات وتداعياتها على الخليج

تأتي الحرب بين طهران وتل أبيب في وقت تعيش فيه المنطقة توترات متزايدة على خلفية الصراعات الإقليمية، التحالفات المتغيرة، والتحديات الاقتصادية. السعودية، التي لطالما اتبعت سياسة الحياد الحذر، تجد نفسها مضطرة لإعادة حساباتها استجابةً لتنامي التهديدات الإيرانية، سواء عبر برنامجها النووي أو عملياتها العسكرية التي تجاوزت حدودها التقليدية.

يُذكر أن الرياض كانت تحاول في السابق أن توازن بين علاقاتها مع القوى الكبرى في المنطقة وبين حرصها على تفادي الدخول في صراعات مفتوحة. لكن المشهد الحالي معقد للغاية، إذ إن استمرار العدائيات بين إيران وإسرائيل قد ينذر بتدهور أمني واسع النطاق يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي في الخليج.

الموقف السعودي من المواجهات بين إيران وإسرائيل

مع تصاعد المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، تبدو الرياض في موقف دقيق للغاية، إذ تراقب التطورات بحذر شديد. السعودية، التي كانت سابقًا تتبنى سياسة الحياد النسبي في الصراعات الإقليمية، بدأت اليوم تغير قواعد اللعبة بدفعها نحو دعم أوسع لاستراتيجية مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة. هذا التحول يعكس قناعة الرياض بأن الأمن القومي الخليجي بات مهددًا بشكل مباشر من البرنامج النووي الإيراني والأنشطة العسكرية لطهران.

صورة التقطتها جمعية الهلال الأحمر الإيراني تظهر رجال الإنقاذ وهم يعملون في موقع غارة جوية على منطقة سكنية في طهران من المصدر

يقول الدكتور جوناثان هاريس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا:
“الرياض تدرك أن استمرار الصراع بين إيران وإسرائيل دون تدخل قد يهدد أمن الخليج بالكامل، لذلك تحاول الآن توسيع تحالفاتها الإقليمية والدولية للردع الفعال. السعودية ليست طرفًا مباشرًا في القتال، لكنها تعمل على تقديم الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لأحد أطراف النزاع، وتستخدم نفوذها لاحتواء الأزمات المتفجرة.”

تحوّل استراتيجي: من الحياد إلى التأثير

لم تعد السعودية تكتفي بالمراقبة والتصريحات السياسية المعتدلة، بل تسعى إلى لعب دور محوري في تشكيل التحالفات الجديدة التي تحد من نفوذ إيران. هذا يتجلى في تحركات دبلوماسية نشطة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي وضع خطة طموحة لتعزيز مكانة السعودية كقوة إقليمية فاعلة.

الخبير الدولي في الشؤون الشرق أوسطية، البروفيسور ريتشارد ويلسون، يؤكد:
“السعودية تستخدم مزيجًا من القوة الناعمة والصلبة، من تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلى دعم الحلفاء في الخليج، لمحاصرة إيران دبلوماسيًا وعسكريًا. هي بذلك تخرج من دور المشاهد إلى صانع القرار.”

تداعيات على الأمن الإقليمي والاقتصاد

تصاعد الصراع في المنطقة يضع السعودية ودول الخليج أمام تحديات أمنية جديدة، تتعلق بحماية المنشآت النفطية وممرات الطاقة البحرية. كما أن التوترات قد تؤثر على استقرار الأسواق العالمية للطاقة، الأمر الذي ينعكس سلبًا على اقتصاديات دول الخليج المعتمدة على صادرات النفط.

من جانب آخر، تحاول الرياض عبر مقاربتها الجديدة التخفيف من احتمال تحول الصراع إلى حرب مفتوحة على أراضي الخليج، ما قد يؤدي إلى أضرار كارثية.

خاتمة: السعودية في قلب العاصفة تتجاوز الحياد

في ظل هذا المشهد المشتعل، تؤكد السعودية أنها لم تعد المحايد المتفرج، بل لاعب استراتيجي يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. من خلال تبني سياسات أكثر حزماً ودبلوماسية ذكية، تعمل الرياض على إعادة رسم موازين القوى الإقليمية. هذه التحولات تحمل في طياتها فرصًا لتقليل التوتر، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام تحديات جديدة على صعيد الأمن والسياسة والاقتصاد.

السعودية اليوم تمارس لعبة معقدة تجمع بين ضبط النفس والتأثير، وهي تسير على خط رفيع بين التصعيد والتهدئة، لكنها تبقى متيقظة لحماية مصالحها الحيوية ومستقبل المنطقة بأسرها.

لندن: تحليل خاص لـ ‘اليوم ميديا