
متظاهرون في العاصمة السودانية الخرطوم عام الغادريان (غيتي)
بين رمال دارفور الحارقة وامتداد الصحراء الليبية المضطربة، تدور حرب طاحنة أعادت السودان إلى خارطة النزاعات الإقليمية، وجعلت من قادته لاعبين في ساحة شطرنج إقليمية. في مقدمة هؤلاء يقف محمد حمدان دقلو “حميدتي”، القائد العسكري المتحول إلى رجل نفوذ إقليمي، بعد أن فرض قبضته على المثلث الحدودي الأخطر: السودان – مصر – ليبيا. لكن من يموّل هذه الحرب؟ ومن يربح من استمرارها؟
ذهب دارفور.. وقود المعركة
رغم العقوبات الدولية، لا تزال الأموال والسلاح تتدفق على قوات الدعم السريع. بحسب تحقيقات نشرها “المعهد الأوروبي للسلام”، تُستخدم مناجم الذهب في دارفور كأهم مصدر تمويل ذاتي لقوات حميدتي، إذ يتم تهريبه عبر طرق تقليدية إلى جنوب ليبيا، ومنها إلى السوق السوداء.

الخبير في النزاعات الإفريقية الدكتور توماس ويلر يقول لـ”اليوم ميديا”:
“حميدتي بنى دولة داخل الدولة، بفضل سيطرته على موارد الذهب وربطه بشبكات تهريب تمتد من السودان إلى غرب إفريقيا. ما يحدث اليوم هو اقتصاد حرب متكامل.”
مثلث السيطرة: من دارفور إلى الحدود المصرية
التمدد السريع لقوات الدعم السريع شمالًا وغربًا لم يكن صدفة، بل خطوة استراتيجية. السيطرة على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر يوفّر لحميدتي نفوذًا غير مسبوق في منطقة تعتبر خطًا أحمر أمنياً للقاهرة.

المحلل الفرنسي جان-لويس بوشيه من “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”، يوضح:
“هذا المثلث ليس مجرد حدود، بل عقدة جيوسياسية حساسة. السيطرة عليه تعني التحكم بمسارات التهريب، وخطوط الإمداد، ومفاتيح التفاوض في المستقبل.”
حلفاء في ليبيا.. وسلاح بلا عنوان
تستند قوات الدعم السريع في جانب من قوتها إلى شبكة من العلاقات مع مجموعات مسلحة في الجنوب الليبي، لا سيما في سبها والكفرة، حيث يتم استبدال الذهب الخام بالسلاح.
وبحسب مصادر غربية، فإن الشحنات القادمة من ليبيا تتضمن قطع غيار للطائرات المسيّرة، وذخائر متطورة، تُهرّب بطرق غير تقليدية عبر الصحراء.
موقف القاهرة: الحذر على نارٍ حامية
في خضم هذا التصعيد، تجد مصر نفسها محاصرة بين دعمها السياسي للجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقلقها المتزايد من تمدد حميدتي على حدودها الجنوبية.

الخبير الأمني المصري الذي – الذي فضّل عدم ذكر اسمه – قال لـ”اليوم ميديا”:
“ما يقلق القاهرة ليس مجرد وجود مسلح على الحدود، بل منظومة اقتصادية موازية قادرة على تهديد الأمن الحدودي، وربما استغلال الصراع لإحداث اختراقات أمنية في الداخل المصري.”
تمويل بلا هوية.. من الرابح؟
تكشف المعلومات أن الحرب في السودان تُدار بميزانية مفتوحة من مصادر متعددة، تشمل تجارة الذهب، والتهريب، وبعض الدعم غير المباشر من شبكات دولية لها مصالح اقتصادية في استمرار حالة الفوضى.

الخبير البريطاني مارك أندرسون من مركز “تشاتام هاوس” قال:
“هذه ليست حربًا أهلية فحسب، بل ساحة لعقود نفطية وذهبية غير معلنة. من يربح هو من يسيطر على المعابر والموارد وليس من يسيطر على العاصمة.”
خاتمة: جمهورية الصفقات لا القوانين
لقد بات السودان اليوم مثالًا حيًا لتحول الدول إلى ساحات صفقات قذرة. لم تعد الدولة تحتكم إلى الدستور أو المؤسسات، بل إلى قادة ميليشيات وأمراء موارد. حميدتي لم يعد مجرد جنرال، بل “مالك للحرب” يبيع ويشتري بالدم والأرض.
إذا استمر هذا المسار، فلن يكون السودان أمام سيناريو الانقسام فحسب، بل أمام احتمال الانهيار الكامل، حيث يُستبدل الوطن بـ”منجم”، والشعب بـ”رصيد حرب”، والحكم بـ”الصفقة”.
لندن: تحليل خاص لـ ‘اليوم ميديا“