
في لحظات الوداع الأخيرة، حيث يختلط الخوف بالألم، تتحدث القلوب بكلمات تلامس الأعماق. سؤال يتردد في غزة: “ما كانت آخر جملة قالها قبل أن يستشهد؟” بين أصوات القصف وظلال الحرب، ترك الشهداء كلمات لا تُنسى، شاهدة على شجاعة الروح وقوة الإيمان، وبصمة لا تُمحى في قلوب أحبّائهم والعالم.
حين تتوقف الحياة فجأة تحت القصف، لا يبقى للعائلات سوى كلمات الوداع، تُهمس عبر الهواتف أو تُرسل برسائل سريعة، لتصبح ذاكرة أبدية لا يطفئها الزمن.

في مبادرة إنسانية مؤثرة، نشرت الصحفية الفلسطينية وعد أبو زاهر على حسابها في فيسبوك سؤالًا بسيطًا في شكله، عميقًا في معناه: “ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد؟”

الردود جاءت مثل نهر من الحزن والحنين، تحمل معها قصصًا تختصر حبًا كبيرًا، وخوفًا خفيًا، ووداعًا موجعًا، وفق تقرير نشره موقع بي بي سي.
✦ “بديش أكون رقم.. تنسينيش”
تروي يافا محمد كلمات شقيقها:
“تنسينيش. بديش أكون رقم. تصدقي عني. اكتبي عني دائمًا. جوعانة. بدي قهوة. اشتقت لكتبي. يارب هدنة. يا رب استشهد. تعيطيش عليّ ماشي؟”
تقول يافا: “كلماتهم تنهش رأسي، وتُحدث ضجيجًا لا يهدأ في عقلي”.
✦ وعد اللقاء بين أشجار الزيتون
أما راوند حسين، فتستعيد كلمات زوجها قبيل استشهاده:
“تقلقيش. محدش بيموت ناقص عمر. بدي أستناكِ عند الزيتونة ورا وادي العسل. المهم عرفتي المكان؟”
✦ طمأنينة الإيمان
إسراء سهمود تتذكر شقيقها:
“ليش خايفة؟ أنا مش خايف. أنا قارئ أذكار الصباح. أنتِ قرأتيهم؟”
لم تمضِ ساعات حتى ارتقت روحه.

✦ وصية تختصر كل شيء
آية أبو جامع، أرملة الشهيد:
“آية انتبهي ع الأولاد. وكّلي أمرك لربنا. ضلك قوية. الدنيا ما بدها غير القوي.”
✦ “اعمل عني عمرة”
تسنيم طبازة، في رسالتها الأخيرة لأخيها إبراهيم:
“اعمل عني عمرة، تصدق عن روحي، وضل اهتم في ماسة بنتي الصغيرة، ما عم تنام من الخوف.”
بعدها، استشهدت تسنيم وابنتها وزوجها.

✦ عندما تصبح الجنة مكانًا بلا “تعباية مي”
علاء الحسنات يتذكر أخوته:
“إنك ميت وإنهم ميتون.”
“سلسبيل اختي قالت: يا سلام يعني حنقعد جمب بعض!”
“عز الدين قال: أحلى إشي في الجنة فش تعباية مي!”

✦ “خايفة.. بس ما بخاف”
آلاء، تحكي عن آخر لحظة مع زوجها مصعب:
“سارة (الطفلة الرضيعة) ضحكت لأبوها أول مرة. قلتله خايفة. قال: اللي كاتبه ربنا بصير. ديري بالك على حالك وعلى البنت.. ونبقى على تواصل.”
وانقطع الاتصال إلى الأبد.
كل جملة كانت شاهدة، وكل كلمة كانت وصية. هذه ليست مجرد قصص، بل وثائق حيّة من زمن النار والدخان، توثق حبًا لم يُكمل طريقه، وأملًا قطعته الحرب، وشهداء لا يريدون أن يُنسَوا كأرقام.