image

الدكتور أحمد الطيب

في توقيت حرج تتعرض فيه غزة لأقسى موجات التجويع والقصف الإسرائيلي، أحدث حذف الأزهر الشريف لبيان كان قد نشره للتنديد بالأوضاع الإنسانية في القطاع موجة من التساؤلات الحادة. البيان المحذوف، الذي نُشر لساعات على منصات الأزهر الرسمية، تحدث بوضوح عن “مأساة غزة” و”صمت العالم المخجل”، قبل أن يُسحب دون تفسير فوري، الأمر الذي فتح الباب أمام تكهنات سياسية ودبلوماسية.

التبرير الرسمي: المفاوضات لا تحتمل “ضجيج البيانات”

المركز الإعلامي للأزهر أصدر لاحقًا توضيحًا قال فيه إن حذف البيان جاء بناءً على توصية من جهات عليا تُتابع مسار المفاوضات لوقف إطلاق النار، بهدف “عدم التأثير على المناخ السياسي والدبلوماسي الحساس”.

لكن هذا التبرير بدا للبعض أشبه بمحاولة لتكميم الصوت الديني في لحظة يجب أن يُعلو فيها على كل اعتبار سياسي. وفيما بدا الأزهر حريصًا على عدم إزعاج من يقودون الوساطات، رأى مراقبون أن المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي قد أضاعت فرصة لتثبيت موقف مبدئي في لحظة إنسانية مفصلية.

آراء غربية: المؤسسة الدينية رهينة السياسة

عدة وسائل إعلام غربية تناولت خبر الحذف، معتبرةً أن ما جرى يعكس حجم القيود المفروضة على المؤسسات الدينية في العالم العربي، حتى تلك التي تُقدَّم كرمز “للوسطية والاستقلال”.

صحيفة The Guardian أشارت في تقريرها إلى أن الأزهر كان قد أصدر مواقف قوية في مرات سابقة، مثل موقفه من حرق المصحف في السويد، لكنه الآن بدا “مرتبكًا ومترددًا” أمام ملف أكثر إلحاحًا. بينما علّق Robert Satloff، مدير معهد واشنطن، بالقول إن “بيان الأزهر حذف لأنه قال الحقيقة، والحقيقة اليوم تُقلق اللاعبين الكبار في الشرق الأوسط”.

عربياً: صمتٌ رسمي وشعبي مرتبك

على الجانب العربي، أثار الحذف ردود فعل متفاوتة. فبينما اكتفى الإعلام الرسمي في أغلب الدول بالصمت، عبّر ناشطون على منصات التواصل عن غضبهم من “مؤسسة كان يُفترض أن تكون منارة للحق في وجه الظلم”.

وكتب أحد الصحفيين المصريين الكبار على منصة X:

“عندما يُطلب من الأزهر حذف بيان عن أطفال يموتون جوعًا في غزة، نعلم أن الأمور لم تعد تحتمل التجميل”.

وغرّد محلل سياسي لبناني قائلاً:

“لو كان البيان يهاجم إيران أو حزب الله لبقي منشورًا، لكن لأنه يخص إسرائيل… الحذف واجب دبلوماسي”.

إسرائيل ترد: “الجوع تكتيك من حماس”

في المقابل، سارع دافيد مينسر، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إلى قلب الطاولة، زاعمًا أن “الجوع في غزة مخطط له من قبل حماس”. في تصريح بدا محاولة فجّة لتحميل الضحية مسؤولية الكارثة، قال مينسر إن “هناك مساعدات تنتظر على أبواب غزة، لكن حماس تُعرقل توزيعها لتوظيف المعاناة إعلاميًا”.

هذا الخطاب الإسرائيلي يتماشى مع حملة دعائية تقودها تل أبيب لتبرير الحصار والتجويع، في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لوقف الحرب، وكان بيان الأزهر – رغم حذفه – من الأصوات القليلة التي خاطبت العالم الإسلامي بلغة الضمير.

الخلاصة: بين الأزهر و”أزهر السياسة”

ما جرى يعكس مفارقة قاسية: حين تُحذف الكلمات التي تنصر الضحايا باسم “الحياد الدبلوماسي”، يتحول الصمت إلى جريمة سياسية.

حذف بيان الأزهر ليس مجرد واقعة تقنية، بل هو مؤشر على تسييس المؤسسات الدينية في العالم العربي، وتحولها إلى أدوات ناعمة في لعبة الحسابات الإقليمية.

لندن – اليوم ميديا

    اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن. 

    جميع الحقوق محفوظة © ARAB PRESS HOUSE