
أرشيفية
رغم مرور أكثر من ثمانين عامًا على سقوط النازية، لا تزال أموال ضحايا الهولوكوست تطارد المصارف السويسرية، وتحديدًا “يو بي إس” الذي ورث إرثًا ثقيلًا بعد استحواذه على “كريدي سويس” عام 2023. ووفق وكالة بلومبيرغ، يقود الملياردير اليهودي رونالد لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، حملة ضاغطة لإعادة فتح تحقيقات حسابات اليهود المجمدة في تلك الحقبة، معتبرًا أن تسوية عام 1998 تركت “ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار على الطاولة”.
صفقة 1998: هل كانت تسوية ناقصة؟
لعب لودر دورًا مركزيًا في التسوية التي أُبرمت قبل أكثر من 25 عامًا، والتي دفعت خلالها البنوك السويسرية 1.25 مليار دولار لضحايا الهولوكوست. لكنه يعتقد اليوم أن تلك الصفقة لم تكشف سوى عن جزء صغير من الأموال المخبأة. يقول من مكتبه في باريس، حيث تكسو جدرانه صور ضحايا المحرقة: “لن نرتكب الخطأ ذاته مجددًا”. ومنذ خمس سنوات، بدأ مع حلفائه العمل خلف الكواليس لإجبار يو بي إس على إعادة فتح الملفات.
وثائق مدفونة وصناديق مغبرة
التحقيقات الجارية حاليًا، والتي أوشكت على الاكتمال، تتضمن فحص آلاف الصناديق من الأرشيفات البنكية، والكثير منها مكتوب بخط اليد. وقد كشف المحققون عن حسابات مخفية، فيما يشارك أكثر من 50 باحثًا وخبيرًا جنائيًا ماليًا، بعضهم يعمل ستة أيام في الأسبوع، لإتمام المراجعة. الولايات المتحدة، من خلال الكونغرس والبيت الأبيض، تضغط بشدة لضمان كشف الحقيقة وإرضاء الجماعات اليهودية.
واشنطن تراقب والبنك يتعاون
يحظى محامي يو بي إس بإشادة من المسؤولين في واشنطن نظرًا لتعاونه في التحقيقات، لكن الضغوط لا تزال متزايدة. ويرى أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي أن على البنك تقديم التزامات أقوى، خاصة في ظل الأدلة المتزايدة على سوء التعامل مع حسابات اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
ميراث كريدي سويس يفتح الجروح القديمة
صفقة استحواذ يو بي إس على كريدي سويس لم تكن مجرد عملية إنقاذ مالي، بل ورثت معها عبئًا تاريخيًا، يمثل تحديًا أخلاقيًا وقانونيًا. ويخشى التنفيذيون في البنك من أن تقود النتائج النهائية للتحقيق إلى مطالبات مالية جديدة بالمليارات، تعيد فتح باب المقاطعة والضغط الأميركي على سويسرا كما حدث في تسعينيات القرن الماضي.
دروس للدول المطبعة مع إسرائيل؟
بعيدًا عن سويسرا، يرى مراقبون أن هذه القضية تحمل رسائل أبعد، خاصة للدول التي تفكر في التطبيع مع إسرائيل. فالتطبيع لا يمر فقط عبر السياسة والاتفاقات، بل قد يمتد إلى مطالبات مالية وتعويضات تاريخية، بعضها يمتد إلى قرون. ويخشى البعض من تكرار سيناريوهات مماثلة تطالب بتعويضات عن ممتلكات لليهود في الشرق الأوسط والعالم العربي.
خلاصة
قضية أموال اليهود في العهد النازي لم تُغلق بعد. ومع اقتراب انتهاء التحقيقات الجديدة، يبدو أن البنوك السويسرية، وعلى رأسها يو بي إس، تواجه اختبارًا جديدًا في ملف لم يُطوَ بعد. وبين الحسابات المجمدة والمليارات المفقودة، قد يعاد رسم مشهد العلاقات المالية والتاريخية بين أوروبا واليهود، وسط ضغط سياسي وإعلامي متصاعد.