image

أرشيفية

في عمق أرض صناعية قاحلة على الضفة الشرقية لنهر النيل، تقف ثلاثة مبانٍ غير مكتملة ونصف مشيدة، تحيط بها حقل ألغام مهجور. لعدة أشهر، ظل مقاتلو قوات الدعم السريع المتمردة على الجيش السوداني يحذرون السكان القريبين من الاقتراب من الموقع. والسبب أصبح واضحًا بعد اقتحامه: آلات ومنتجات كيميائية تقول السلطات السودانية إنها استُخدمت لإنتاج نحو ألف حبة كبتاغون في الساعة.

الكبتاغون، وهو نوع من الأمفيتامينات الرخيصة وسريعة الإدمان، صار مألوفًا في أوساط المقاتلين وروّاد الحفلات على حد سواء في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي. هذا العقار المعروف بقدرته على تعزيز التركيز وزيادة التحمل الجسدي وإثارة النشوة، تحوّل إلى وقود حقيقي للحرب الشرسة الدائرة في السودان.

وبحسب مصادر أمنية، فإن قوات الدعم السريع تستخدم الكبتاغون بوجهين: إما بمنحه للمقاتلين لتعزيز يقظتهم وكبح الجوع، أو بيعه للمدنيين كمصدر ربح في اقتصاد الحرب.

سوريا الأسد… مركز الأمفيتامين المنهار

حتى ديسمبر الماضي، كانت سوريا تحت حكم بشار الأسد تُعد المركز الرئيسي لإنتاج وتصدير الكبتاغون في المنطقة. فقد تورّط النظام السوري بعمق في هذه الصناعة المربحة، بحسب تقارير دولية وأمنية متعددة. لكن مع انهيار حكومة الأسد ونهاية الحرب الأهلية، تم الكشف عن العديد من مختبرات الكبتاغون، وأُغلقت طرق التهريب المعروفة، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في الإنتاج.

لكن وعلى بُعد أكثر من 2000 كيلومتر جنوب شرق دمشق، كان السودان يغرق في صراع داخلي جديد، فتح الباب أمام فرص جديدة للمهربين والمصنعين على حد سواء.

من سوريا إلى الخرطوم: كيف وصلت المخدرات؟

في وقت سابق من هذا العام، تمكنت القوات المسلحة السودانية من طرد قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها، في إطار الصراع المستمر منذ أبريل 2023. ومن بين المناطق التي استعادت السيطرة عليها، كانت المنطقة المحيطة بمصفاة الجيلي شمال بحري، والتي احتضنت المفاجأة: مصنع للكبتاغون تم كشفه بعد هزيمة المتمردين.

وأظهر مقطع فيديو، صُوّر مطلع العام، الشكل الداخلي للمبنى الذي احتوى على المعدات والمواد الكيميائية اللازمة للتصنيع. ووفقًا للفيديو، فإن المصنع كان يحتوي على خمس آلات، اثنتان منها – مكبس لوحي وخلاط صناعي – كانتا في حالة تشغيل عند التخلي عن الموقع. أما الثلاث الأخرى، فكانت لا تزال معبأة داخل صناديق خشبية ولم تُستخدم بعد.

وقال اللواء جلال الدين حمزة، من شرطة مكافحة المخدرات، لموقع “ميدل إيست آي”: “عثرنا أيضًا على حبوب جاهزة للتوزيع”، مضيفًا أن الأقراص كانت مختومة بعلامة “الهلالين” – الرمز الذي بات بمثابة العلامة التجارية غير الرسمية للكبتاغون غير القانوني في المنطقة.

هذه التفاصيل تكشف كيف أصبح السودان ليس فقط ساحة صراع دموي، بل ساحة جديدة في تجارة مخدرات عابرة للحدود، تسهم في تمويل الحرب وتفاقم معاناة المدنيين.

    اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن. 

    جميع الحقوق محفوظة © ARAB PRESS HOUSE