رغم حملة الاعتراف.. عقباب أمام إنشاء الدولة الفلسطينية

رغم التصريحات الغربية المتكررة بشأن ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ورغم مشاهد المجازر والدمار التي تعصف بغزة منذ أكثر من عشرة أشهر، تبقى فكرة “الدولة القابلة للحياة” أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع. فالإرادة الدولية، على أهميتها، تصطدم بواقع ميداني مركّب، وبنية سياسية فلسطينية مفككة، وصعودٍ إسرائيلي متطرف يعادي أي تسوية عادلة.
الدعم الدولي: زخْم في التصريحات لا في الفعل
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في الخطاب الدولي الداعم لحل الدولتين، لا سيما من واشنطن والاتحاد الأوروبي، في أعقاب الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة، التي أوقعت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمّرت البنية التحتية بالكامل.
ولكن، لم تترجم هذه التصريحات إلى خطوات ملموسة. فلا اعتراف أممي بدولة فلسطينية كاملة العضوية، ولا عقوبات على تل أبيب لرفضها الانصياع للقانون الدولي، بل العكس: تمضي إسرائيل في سياساتها التوسعية، مستفيدة من الغطاء الأميركي والدعم الغربي.
الداخل الفلسطيني: الانقسام يعيق الحلم
على الضفة الأخرى، يبدو الواقع الفلسطيني غير مهيأ لإقامة دولة موحدة. فالانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، وتعقيدات ما بعد الحرب في غزة، تعمّق الشرخ وتؤجل أي مسار جدي لبناء مؤسسات موحدة.
السلطة الفلسطينية في رام الله تواجه أزمة شرعية داخلية، واتهامات بالفساد والعجز. أما حماس، التي تخرج من الحرب مثقلةً بالخسائر والضغوط، فترى في المقاومة طريقًا لا بديل عنه، وترفض الانخراط في أي عملية سياسية تفرّط – بحسب تعبيرها – بـ”ثوابت الشعب الفلسطيني”.
الوقائع على الأرض: استعمار استيطاني وتمزيق جغرافي
واقع الأرض الفلسطينية اليوم يكشف أن إقامة دولة قابلة للحياة لم تعد ممكنة بسهولة. ففي الضفة الغربية، يقضم الاستيطان أكثر من 40% من الأراضي، ويقسّمها إلى جيوب معزولة غير مترابطة. أما غزة، فهي مدمرة ومحاصرة، ولا أحد يعرف كيف ستُحكم ومن سيعيد إعمارها.
تلك الحقائق تجعل فكرة “الدولة الفلسطينية” مجرد كيان هش غير متصل جغرافيًا أو سياسيًا، وتفتقد السيطرة على الحدود، والمياه، والمعابر، والاقتصاد – أي كل المقومات التي تجعل من الدولة دولة.
نتنياهو وتحالفه: لا دولة ولا مفاوضات
في إسرائيل، تسيطر حكومة يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، تضم وزراء يعارضون حتى مبدأ “حل الدولتين”، ويتبنون مشاريع ضمّ صريحة للضفة. بل إن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يعلنان صراحة أن لا مكان لدولة فلسطينية في أرض إسرائيل.
كما أن خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونغرس الأميركي، في يوليو 2025، أكد رفضه لأي انسحاب من الضفة، وتهجّمه العلني على المحكمة الجنائية الدولية، هو مؤشر على تمترس المشروع الصهيوني خلف “حل الدولة الواحدة اليهودية”، لا التعايش أو التقاسم.
العرب في المقعد الخلفي
رغم المآسي اليومية في غزة والضفة، تراجع الحضور العربي في ملف فلسطين إلى مقعد خلفي. فالعديد من الدول العربية باتت تفضّل التركيز على أولوياتها الداخلية أو تطبيعها مع إسرائيل، دون ربط ذلك بتقدم سياسي في الملف الفلسطيني.
المبادرات السعودية أو المصرية أو الأردنية تبقى حذرة، وغالبًا ما تصطدم بالرفض الإسرائيلي، أو تتقاطع مع ضغوط أميركية لا ترغب في كسر الوضع القائم.
الخلاصة: الدولة الفلسطينية “على الورق فقط”
مع انسداد الأفق السياسي، واستمرار الاحتلال، وانهيار البنية الفلسطينية، وتواطؤ المجتمع الدولي، تبقى الدولة الفلسطينية حلمًا على الورق أكثر منها مشروعًا قابلاً للتحقق. وربما الأهم من ذلك، أن الشارع الفلسطيني لم يعد مقتنعًا بأن الدول الكبرى جادة في إنهاء الاحتلال، أو أن الضغوط الدبلوماسية وحدها كفيلة بإنجاز الاستقلال.
في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، واستعادة الوحدة الداخلية، وإحياء أدوات الضغط الإقليمي والدولي الحقيقية، لا الاكتفاء بالشعارات والخطابات.
لندن – اليوم ميديا