الدور البريطاني الخفي في سقوط الأسد.. من هو رجل المخابرات البريطانية في دمشق؟

رغم أن لندن لم تقدّم نفسها كراعٍ رسمي للسلطة الجديدة في سوريا، فإن بصماتها تظهر بوضوح متزايد في ترتيبات ما بعد الأسد. صحيفة ديلي ميل البريطانية كشفت في تقريرها الأخير عن تفاصيل مذهلة تشير إلى دور بريطاني مباشر في تأهيل الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام سابقاً.

التقرير يشير إلى دور مركزي أدّته منظمة غير حكومية مقرها لندن تُدعى “إنتر ميديت”، وهي منظمة متخصصة في حل النزاعات يقودها المخضرم جوناثان باول، مستشار الأمن القومي البريطاني الحالي ومهندس مفاوضات السلام في أيرلندا الشمالية وكولومبيا.

من الجهاد إلى القصر الجمهوري: من صاغ التحوّل؟

بفضل جهود المنظمة البريطانية، انتقل الشرع من ماضٍ متشدد إلى وجه سياسي جديد لمرحلة انتقالية في سوريا. ويؤكد السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، أن المنظمة البريطانية لعبت دورًا مبكرًا في توجيه الشرع سياسياً منذ عام 2023.

ويكشف فورد أنه رغم تردده الأولي في المشاركة، وافق لاحقًا بعد اطلاعه على طبيعة المشروع وأهدافه. هذا التحول – من زعيم جهادي إلى رئيس – لم يكن عشوائيًا، بل تم تخطيطه بعناية من خلال استراتيجية مدعومة غربياً، بحسب المحلل السوري مالك حافظ.

إنتر ميديت: من يدير سوريا من الخلف؟

بحسب نفس المصادر، لا تكتفي “إنتر ميديت” بتدريب الشرع، بل تدير اليوم مكتبًا إعلاميًا من داخل القصر الجمهوري، تتولاه امرأتان: إحداهما بريطانية والأخرى من أصل لبناني بريطاني. هذه السيطرة الناعمة تعكس حجم اندماج المنظمة في بنية السلطة الجديدة في سوريا، حتى دون اعتراف رسمي.

المنظمة التي أسسها باول عام 2011 تعمل في البيئات التي تنهار فيها الدولة والدبلوماسية التقليدية، وتقدّم نموذجاً بديلاً لحل الصراعات عبر “قنوات خلفية”. رئيسها التنفيذي الجديد، كلير حجاج، تنحدر من خلفية فلسطينية-يهودية وعملت في غزة وكوسوفو والأمم المتحدة، مما يبرز طبيعة “التوازن المعقد” الذي تسعى إليه المنظمة.

البليريون يعودون: من يحكم من خلف ستارمر؟

الافتتاحية المصاحبة في ميل أون صنداي ذهبت أبعد، محذّرة من أن شخصيات “البليريين” عادت لحكم السياسة البريطانية عبر حكومة كير ستارمر. فـجوناثان باول وبيتر ماندلسون – سفير بريطانيا في واشنطن – يشكّلون القوة الحقيقية في السياسة الخارجية، بينما يلعب وزير الخارجية ديفيد لامي دوراً “احتفالياً” فقط، بحسب الصحيفة.

المخاوف تتصاعد داخل داونينغ ستريت من تغوّل هؤلاء على المؤسسات الرسمية، ووجود شبكات نفوذ ضخمة قادرة على كتابة السياسة البريطانية وتطبيقها في الشرق الأوسط… من وراء الكواليس.

هل يعيد باول إنتاج حلم بلير في إعادة هندسة غرب آسيا؟

جوناثان باول لا يخفي أنه من دعاة “التدخل الليبرالي”، وهو المبدأ الذي برّر غزو العراق عام 2003. في ذلك الوقت، عمل باول مع توني بلير على تضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق.

اليوم، يبدو أن باول وجد في سوريا ساحة جديدة لتحقيق ذات الرؤية: إنتاج أنظمة سياسية صديقة للغرب من داخل الحطام. صعود الشرع إلى الحكم ليس مجرد صدفة، بل جزء من مشروع إعادة هندسة سياسية برعاية “الدبلوماسية الخفية”.

السياسة بالوكالة: هل باتت بريطانيا تحكم دمشق؟

في الوقت الذي تنشغل فيه القوى الكبرى الأخرى بالضجيج السياسي، تلتزم بريطانيا الصمت، وتستثمر في تحويل الجهاديين السابقين إلى “رجال دولة”، وتنشئ مراكز نفوذ طويلة الأمد في مفاصل السلطة السورية.

كما كتب المحلل مالك حافظ: “نحن لا نشهد فقط تغيير نظام، بل ولادة نظام تم تصميمه وتثبيته بعناية تامة من خلف الكواليس، على يد قوى تفضل الظل على الضوء”. بريطانيا اليوم لا تفرض سلطتها بالدبابات، بل عبر التدريب، والإعلام، والاستشارات، وأوراق السياسة.

في الختام: هل يُولد الاستقرار من رحم التدخل الخفي؟

تجربة أحمد الشرع – من السلاح إلى السياسة – تثير الجدل بين من يعتبرها خطوة نحو المصالحة، ومن يراها مثالاً صارخًا على “إعادة التدوير السياسي”. السؤال الأكبر هو: هل ستنجح هذه التجربة في إنتاج نظام مستقر، أم تعمق الغموض في المشهد السوري؟

شيء واحد مؤكد: بريطانيا ليست على الطاولة… لكنها من يصنع شكل الطاولة.

لندنن – اليوم ميديا

web master

Recent Posts

الإغلاق الحكومي الأميركي يهدد الاقتصاد بخسائر لا يمكن تعويضها

أعربت مجموعات الأعمال الأمريكية عن قلقها المتزايد من أن الإغلاق الحكومي المستمر يترك آثارًا سلبية…

ساعتين ago

ابن بيّه يحذر: الذكاء الاصطناعي يهدد إنسانيتنا.. ووقت الضمير العالمي ينفد

في مشهدٍ يليق بعصرٍ تتقاطع فيه القيم مع التقنية، ارتفعت من دبي مساء الأحد كلماتٌ…

3 ساعات ago

«حنظلة» تخترق إسرائيل وتكشف أسرار 17 عالماً عسكرياً

في تصعيد إلكتروني جديد ضد إسرائيل، أعلنت مجموعة القرصنة الإيرانية المعروفة باسم «حنظلة» (Hanzala Hackers)…

5 ساعات ago

الإيبوبروفين.. دواء الألم الذي قد يحارب السرطان

قد لا يقتصر دور الإيبوبروفين على تسكين الصداع وآلام العضلات والدورة الشهرية، بل قد يمتد…

7 ساعات ago

Redmagic 11 Pro.. أول هاتف ألعاب بتبريد سائل ينبض بالحياة

أطلقت شركة ريد ماجيك أحدث هواتفها الذكية الموجهة للألعاب في الصين، مزودًا بنظام تبريد سائل…

7 ساعات ago

حماس لأميركا: لا نخترق الهدنة.. بل نحرسها من الفوضى

في تصعيد جديد بين حماس وواشنطن، ردّت الحركة على بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي زعم…

9 ساعات ago