هل انتهت ترتيبات البترودولار؟ السعودية تراجع ربط الريال بالدولار

على الرغم من رغبة الصين في تدويل عملتها “اليوان” وسعي دول مجموعة بريكس إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في تسوية المعاملات التجارية، ورغم سياسات ترامب الاقتصادية التي أثرت سلبًا على مكانة الدولار في النظام المالي العالمي، إلا أن انهيار الدولار ليس متوقعًا في المدى القريب. كما لا يُتوقع أن تتخلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عن ربط عملاتها بالدولار، نظرًا لما يوفره من استقرار اقتصادي في بيئة جيوسياسية مضطربة.

تستند هذه الدول في دخلها بشكل كبير إلى عائدات النفط، الذي يُسعّر ويباع عالميًا بالدولار، بينما تأتي معظم وارداتها من الصين ودول آسيا، مما يعزز منطق الإبقاء على الدولار كعملة ربط.

انخفاض مكانة الدولار في الاحتياطات العالمية

يرى عدد من الخبراء أن الورقة الخضراء قد تشهد تراجعًا في حصتها من احتياطيات البنوك المركزية العالمية، بسبب رغبة الإدارة الأمريكية في إبقاء الدولار ضعيفًا لدعم الصادرات، إضافة إلى تفاقم العجز التجاري.

سياسة ربط العملات الخليجية بالدولار: خلفية تاريخية

حافظت معظم دول مجلس التعاون الخليجي على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي لعقود، باستثناء الكويت التي أعادت ربط عملتها بسلة عملات غير معلنة في عام 2007، وإن ظل الدولار مهيمنًا داخل تلك السلة.

بدأ هذا الربط في أعقاب انهيار نظام “بريتون وودز” في السبعينات وتراجع الجنيه الإسترليني، حين اختارت دول الخليج الدولار كعملة مرجعية بسبب دوره المركزي في تسعير النفط عالمياً.

فوائد ربط العملة الخليجية بالدولار

1. استقرار التجارة والأسواق

يسهم الربط بالدولار في توفير استقرار ملحوظ في التجارة الخارجية والاستثمار، ويُقلل من تقلبات سعر الصرف، ما يعزز ثقة المستثمرين العالميين.

2. تقليل مخاطر تقلبات النفط

كون صادرات النفط مقوّمة بالدولار، فإن الربط يقلل من مخاطر أسعار الصرف ويجعل العائدات أكثر قابلية للتنبؤ.

3. السيطرة على التضخم

يساعد الربط بعملة مستقرة كالدولار على التحكم في معدلات التضخم، خاصة في أوقات قوة الدولار وانخفاض التضخم العالمي.

4. جذب الاستثمارات الأجنبية

ساهم الربط طويل الأمد بالدولار في خلق بيئة اقتصادية مستقرة، مما جعل دول الخليج وجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

5. مصداقية السياسة النقدية

ربط السياسة النقدية بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منح البنوك المركزية في الخليج مصداقية إضافية.

التحديات المرتبطة بربط العملة بالدولار

رغم المزايا، تواجه دول الخليج تحديات تتمثل في فقدان استقلالية السياسة النقدية والتعرض لصدمات اقتصادية عالمية، خصوصًا في حال تباين السياسات بين الولايات المتحدة والخليج. ومع ذلك، يرى الخبراء أن فوائد الربط ما زالت تفوق التكاليف في ظل استمرار هيمنة الدولار على أسواق الطاقة.

وهم “اتفاقية البترودولار” بين الرياض وواشنطن

تُثار شائعات حول وجود اتفاق رسمي لمدة 50 عامًا بين السعودية والولايات المتحدة، يُجبر المملكة على بيع النفط بالدولار، وانتهى في يونيو 2024. إلا أن الخبراء يؤكدون أن هذه المزاعم غير صحيحة، إذ لم توجد أبدًا اتفاقية قانونية رسمية بهذا المعنى.

ما حدث في الواقع كان ترتيبًا غير رسمي منذ عام 1974 بعد فك ربط الدولار بالذهب، شجعت بموجبه واشنطن السعودية على استثمار عائدات النفط في الأصول الأمريكية، لا سيما سندات الخزانة، مقابل الدعم السياسي والعسكري.

هل ستبيع السعودية النفط بعملات غير الدولار؟

رغم غياب اتفاق رسمي، التزمت السعودية تاريخيًا بتسعير نفطها بالدولار. غير أن السنوات الأخيرة شهدت انفتاحًا تدريجيًا على عملات بديلة، خصوصًا بعد تصريح وزير المالية السعودي عام 2023 حول الاستعداد لقبول عملات غير الدولار، في ظل تنامي العلاقات مع الصين ومجموعة بريكس.

تسعى السعودية إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. وتدفع الصين، وهي أكبر مستورد للنفط السعودي، نحو استخدام اليوان في تسوية تجارة النفط.

التأثيرات المحتملة لسياسات ترامب الاقتصادية

الرسوم الجمركية والمعادن

فرضت إدارة ترامب تعريفة جمركية بنسبة 25% على الصلب و25% على الألومنيوم، مما أضر بصادرات المعادن من دول الخليج، رغم استثناء الطاقة والبتروكيماويات مؤقتًا.

في تطور جديد، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية في مايو 2025 بعدم أحقية الإدارة الأمريكية بفرض تعريفات بموجب “قانون الطوارئ الاقتصادية”.

أثر التعريفات على دول الخليج

وفقًا لمعهد التمويل الدولي، لا تزال دول الخليج تستفيد من تعريفات مخفضة بفضل العلاقات الدبلوماسية، مما يمنح صادراتها ميزة تنافسية مقارنة بشركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة.

تأثير الحرب التجارية على أسعار النفط

كان لتوترات التجارة تأثير مباشر على أسعار النفط، حيث انخفض خام برنت بمقدار 12 دولارًا في أسبوع واحد عقب إعلان ترامب عن سياسات جديدة، ليصل إلى أدنى مستوى في أربع سنوات.

توقعات صندوق النقد الدولي أشارت إلى خفض النمو العالمي بنسبة 0.5% نتيجة لهذه السياسات، ما أثّر على الطلب العالمي على النفط.

العملات الرقمية ومستقبل النظام النقدي العالمي

شهدت الأعوام الأخيرة تقدمًا في أنظمة الدفع الرقمية والعملات المشفرة، خاصة ما يُعرف بـ”العملات الرمزية” مثل العملات الرقمية للبنوك المركزية والعملات المستقرة.

تُسهم هذه العملات في تسهيل المدفوعات عبر الحدود وتقليل الحاجة للاحتفاظ بالاحتياطات النقدية الضخمة، ما قد يُضعف دور الدولار في النظام المالي الدولي.

البترودولار ومستقبل الدولار

رغم انخفاض حصة الدولار في الاحتياطات العالمية من 71% في 1999 إلى 58.4% حاليًا، ما زال الدولار يحتفظ بهيمنته، لكن مع احتمال ظهور نظام عالمي متعدد العملات.

في هذا السياق، تُعد استراتيجية السعودية تجاه البترودولار إشارة مهمة إلى اتجاهات النظام المالي العالمي في العقود المقبلة.

الصين والخليج: شراكة استراتيجية بعيدًا عن الدولار

خلال قمة 9 ديسمبر 2022، حثّ الرئيس الصيني شي جين بينغ دول الخليج على استخدام بورصة شنغهاي للبترول والغاز كمنصة لتسوية المدفوعات النفطية باليوان بدلًا من الدولار.

تعميق التعاون المالي والتجاري

أبدت الصين استعدادها لتعزيز التعاون في:

  • تطوير قطاع النفط والغاز
  • إنشاء جمعيات استثمارية مشتركة
  • دعم العملات الرقمية
  • تسهيل دخول الشركات الخليجية إلى الأسواق المالية الصينية

معضلة الدولار العالمي

يمثل تحوّل السعودية نحو تنويع العملات في تسوية المعاملات خطوة رمزية لكنها ذات أهمية استراتيجية. فمع تطور تقنيات الدفع الرقمي، وتزايد المبادلات بالعملات المحلية، تتجه دول متعددة إلى تقليل اعتمادها على الدولار، حتى لو كانت هذه العملية تدريجية ومكلفة على المدى القصير.

زر الذهاب إلى الأعلى