مصر تهدد إسرائيل.. والإعلام العبري في حالة هستيريا!

شكلت تصريحات اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، والتي حذر فيها إسرائيل من أي محاولة للاقتراب من الحدود المصرية، مادة دسمة لوسائل الإعلام الإسرائيلية، التي قرأت فيها “تصعيداً غير مسبوق” من جانب القاهرة، وسط تساؤلات متزايدة حول نوايا القيادة المصرية في المرحلة المقبلة.

فقد اعتبر موقع “Srugim” العبري أن تصريحات المسؤول المصري “تشكل تهديداً مباشراً من دولة كانت تُعد حتى وقت قريب شريكاً في ضبط التوترات مع غزة”، مشيراً إلى أن ما قيل ليس مجرد موقف رمزي، بل إعلان عن “احتمال فتح جبهة جديدة” في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء على الحدود مع مصر.

نبرة أمنية لا سياسية

اللافت في التعاطي الإسرائيلي مع التصريح أن صاحب التحذير لم يكن دبلوماسياً أو متحدثاً سياسياً، بل جنرالاً عسكرياً سابقاً برتبة رفيعة، ما أعطى كلماته طابعاً تنفيذياً أكثر منه خطابياً. فقد تولى مجاور سابقًا رئاسة الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش الثاني الميداني، وهو ما جعل الإعلام الإسرائيلي يتعامل مع تهديده على أنه رسالة أمنية استراتيجية لا مجرد تعبير عن موقف شعبي.

الصحفي الإسرائيلي روعي كايس، المتخصص في الشؤون العربية بهيئة البث الرسمية، كتب أن “الرسالة المصرية جاءت من شخصية تمثل مؤسسة الأمن القومي وليس السلطة المدنية فقط”، مشيرًا إلى أن “وجود مجاور على الحدود، وبرفقته صحفيون، يعكس رغبة مصرية بتوجيه رسالة علنية لإسرائيل، مفادها أن أي توغل في رفح لن يمر دون رد”.

خلفية التوتر: رفح على خط النار

تخشى مصر من أن تؤدي عملية إسرائيلية شاملة في قطاع غزة، لا سيما في رفح، إلى انهيار التوازن الأمني الهش على حدودها، واندفاع موجات نزوح فلسطيني باتجاه أراضيها. وهو ما تعتبره القاهرة “خطاً أحمر”، تم إبلاغه مراراً للقيادة الإسرائيلية، بحسب مصادر دبلوماسية غربية نقلت عنها صحيفة The Guardian البريطانية.

وترى الصحيفة أن “تهديد مصر العلني هذه المرة يعكس شعورًا متناميًا في القاهرة بأن إسرائيل لا تصغي لتحذيراتها، ولا تضع في اعتبارها أن حدود مصر السيادية ليست قابلة للعبور تحت أي ذريعة”.

السيسي يرفع السقف: من ضبط النفس إلى الإدانة

بالتوازي مع تصريحات مجاور، جاءت مداخلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر رسمي لتشكل تصعيداً واضحاً، حيث وصف حرب إسرائيل في غزة بأنها “حرب إبادة وتجويع وتصفية للقضية الفلسطينية”، في لغة غير مسبوقة منذ وصوله إلى الحكم.

هذا التحول في لهجة القيادة المصرية دفع موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي إلى التساؤل: هل تتجه مصر نحو تغيير جذري في علاقتها مع إسرائيل، أم أن الأمر يظل ضمن التكتيك السياسي للضغط من أجل وقف الحرب؟

محلل الشؤون الاستراتيجية في قناة “كان” العبرية، أمير بار شالوم، اعتبر أن “القاهرة ربما قررت الانتقال من التلويح الدبلوماسي إلى الضغط العلني، وأن تل أبيب لا تستطيع تجاهل هذا التصعيد لأنه يحمل توقيع القيادة العسكرية المصرية”.

رؤية غربية: مصر تسعى لإعادة التموضع

التحليلات الغربية لم تغب عن قراءة الحدث. ففي مقال للباحث الأميركي ستيفن كوك، المختص بشؤون الشرق الأوسط في Council on Foreign Relations، جاء أن “مصر تشعر بأنها خسرت دورها المركزي في غزة لصالح قطر وتركيا، وتحاول اليوم فرض نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها في معادلة ما بعد الحرب”.

وأضاف كوك أن “تصريحات مجاور تعكس قلقاً أمنياً حقيقياً من سيناريو الفوضى على الحدود، لكنها في الوقت ذاته تعبير عن رغبة في إعادة التموضع كفاعل رئيسي في الملف الفلسطيني، بعد شهور من التهميش النسبي في المفاوضات”.

من جانبها، رأت صحيفة Le Monde الفرنسية أن “القاهرة باتت تعتقد أن تجاهل تحذيراتها من جانب إسرائيل لم يعد مقبولاً، وأن الرد العلني هو أحد أدوات استعادة الهيبة والضغط المعنوي على تل أبيب”.

بين الخطاب والميدان: ماذا بعد؟

حتى الآن، لا مؤشرات على تحرك مصري ميداني مباشر، لكن مراقبين إسرائيليين حذروا من أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح قد يدفع الجيش المصري إلى اتخاذ خطوات رمزية على الحدود، مثل رفع حالة التأهب أو القيام بمناورات عسكرية، لإظهار الجدية.

ويبقى السؤال المطروح في الصحافة الإسرائيلية: هل تكتفي مصر بالتحذير الكلامي، أم أننا أمام بداية مرحلة جديدة من الانخراط المصري المباشر، خاصة إذا واصلت إسرائيل تجاهل خطوط القاهرة الحمراء؟

في ظل التصعيد، يبدو أن ما بعد تهديد مجاور لن يكون كما قبله، على الأقل في حسابات الإعلام الإسرائيلي الذي بات يتعامل مع مصر ليس كـ”وسيط تقليدي”، بل كطرف محتمل في معادلة الصراع.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى