بوتين يطلق يالطا جديدة: قمة ألاسكا تكتب تاريخًا يعيد مجد ستالين

في اجتماع مشحون بالغموض والرمزية، يلتقي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في ألاسكا، الموقع الذي يحمل تاريخًا عميقًا يعود إلى القرن التاسع عشر، حينما باعت روسيا هذه الأرض للولايات المتحدة في صفقة سلمية تعكس فلسفة إدارة السلطة عبر التفاهم والتبادل بدلاً من الصراع العسكري.
اليوم، في خضم حرب أوكرانيا، تحوّل هذا الموقع إلى مسرح جديد لتبادل الرسائل السياسية والدبلوماسية، إذ يسعى بوتين إلى تأسيس “يالطا جديدة” تعيد توزيع مناطق النفوذ العالمية، مستلهماً أمجاد جوزيف ستالين، بينما يحاول ترامب استغلال نفوذه لإنهاء صراع طال أمده، رغم توتر العلاقة وتباين المصالح.
بوتين: استمرارية الطموح الإقليمي بلا تنازلات
رغم الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها روسيا جراء العقوبات وانخفاض عائدات النفط، لا يظهر بوتين أي رغبة حقيقية في إنهاء الحرب في أوكرانيا، بل يركز على الحفاظ على تواصله مع ترامب لدرء المزيد من الضغوط. وفقًا للمحللين، بوتين يتصرف كأنه يضع ورقة ضغط على طاولة المحادثات، مستغلًا تحفّظ ترامب وتذبذبه بين الضغط والدعم، خاصة بعد زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى موسكو.
ترامب في الزاوية: بين الإحباط والسياسة الواقعية
رغم وعوده السابقة بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة، تغير موقف ترامب بشكل واضح، حيث بدأ في تمكين إرسال أسلحة أكبر إلى أوكرانيا وهدد بفرض رسوم جمركية على الهند لشراء النفط الروسي. لكنه في الوقت نفسه يعاني من إحباط متزايد بسبب عدم فعالية العقوبات، ويبدو أنه يقف على حافة الانقلاب في استراتيجيته تجاه الصراع، ما يجعل لقاء ألاسكا محاولة للبحث عن مخرج دبلوماسي.
غياب أوكرانيا والأوروبيين: انتصار دبلوماسي للكرملين
عقد اللقاء بدون حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو ممثلين أوروبيين يمثل نصرًا دبلوماسيًا لبوتين، الذي نجح في استبعاد اللاعبين الرئيسيين من المفاوضات المباشرة، ما يعزز موقف روسيا ويقلل من الضغوط عليها، حتى وإن لم تقدم موسكو تنازلات جوهرية على أهدافها الحربية.
الأهداف الروسية الثلاثة من القمة
ترى أوكرانيا أن روسيا تسعى من خلال هذه القمة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: كسر العزلة الدولية، تفادي فرض عقوبات جديدة، واستغلال تصميم ترامب لإنهاء الحرب لتحقيق مكاسب لم تستطع تحقيقها دبلوماسيًا. هذا يأتي في ظل تصاعد الضغوط العسكرية الروسية على الجبهات الشرقية، حيث تحقق موسكو تقدمًا ملحوظًا في السيطرة على أراضٍ استراتيجية.
المقايضات المحتملة: تبادل الأراضي وتجميد الصراع
طرح ترامب فكرة تبادل الأراضي كجزء من حل محتمل، ما أثار جدلاً واسعًا. موسكو رحبت بمقترحات المبعوث ويتكوف لكنها لم تعلق على تبادل الأراضي، فيما يؤكد بوتين على شروطه الثابتة المتمثلة في نزع السلاح، تخلي أوكرانيا عن الناتو، والاعتراف بالسيطرة الروسية على مناطق محددة.
إرهاق أوكراني وتصاعد المعارضة الداخلية
في كييف، تستمر المعارضة الواسعة لأي تنازلات كبرى تجاه روسيا، حيث أظهرت استطلاعات الرأي رفض أكثر من ثلاثة أرباع الأوكرانيين لوقف إطلاق النار إذا تضمن تنازلات في الأراضي أو التخلي عن عضوية الناتو. مع ذلك، هناك تأييد نسبي لتجميد خطوط القتال مقابل ضمانات أمنية من الغرب ورفع تدريجي للعقوبات عن روسيا.
بوتين وشي: التقسيم الجديد للعالم
يبدو أن بوتين لا يسعى فقط إلى إعادة رسم حدود أوكرانيا، بل يطمح مع ترامب وشي جين بينغ إلى إعادة تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ جديدة، مكرّسًا حقبة جديدة من الحرب الباردة تشبه يالطا التاريخية، وهو ما يفسّر حرصه على استعادة مجد ستالين في توسيع النفوذ الروسي عالميًا.
الخلاصة
قمة ألاسكا لم تكن مجرد لقاء عابر بين رئيسين، بل محطة فاصلة في الصراع العالمي بين النفوذ القديم والجديد، حيث يعيد بوتين صياغة قواعد اللعبة الدبلوماسية بخطى واثقة، مستفيدًا من ضعف موقف ترامب وتذبذبه. في المقابل، يبقى الموقف الأوكراني هشًا، وسط ضغط داخلي وخارجي متزايد، مع احتمال بروز معادلات جديدة في شرق أوروبا قد تؤثر على مستقبل الأمن والاستقرار الدولي لعقود قادمة.
لندن – اليوم ميديا