الخليج بين واشنطن وبكين: هل تخسر أميركا وتربح الصين وإيران بعد حرب غزة وحرب الـ12 يوماً؟

تشهد منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً الخليج العربي، تحولات استراتيجية غير مسبوقة في العلاقات الدولية، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة وما تبعها من حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران. هذه التطورات ألقت بظلالها على السياسة الخليجية تجاه الولايات المتحدة، وكشفت عن بروز لاعبين دوليين جدد في المنطقة مثل الصين، وسط تساؤلات عن مستقبل النفوذ الأميركي وموقع إيران في التوازنات الجديدة.

حرب غزة وحرب الـ12 يوماً: نقطة تحول خليجية

وقوف واشنطن علناً مع إسرائيل ضد أهالي غزة، ودعمها لخطط التهجير والضغط على الدول الرافضة لمشروع إسرائيلي بحت، شكّل صدمة في العواصم الخليجية، خاصة الرياض. الموقف الأميركي من حرب غزة والحرب ضد إيران كشف تناقضاً مع الموقف السعودي الداعي إلى الحل السلمي للنزاعات.

في المقابل، أظهرت السعودية دعماً لإيران ضد العدوان الإسرائيلي خلال حرب الـ12 يوماً، وهو ما أشار إلى تحولات غير تقليدية في التحالفات الإقليمية.

تناقضات الموقف الأميركي وسياسة الرياض

بينما تصر السعودية على حل الدولتين وتتحرك دبلوماسياً إلى جانب فرنسا لدعم التصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقف الولايات المتحدة على الضفة الأخرى، متماهية مع التوجهات الإسرائيلية. هذا التباين زاد من الفجوة بين الرياض وواشنطن.

كما أن السعودية تتجه لتعزيز علاقاتها مع الصين مع ازدياد المصالح الاستثمارية والنفطية المشتركة، في حين يشهد نفوذ واشنطن تراجعاً.

وساطة بكين بين الرياض وطهران: دلالات استراتيجية

نجحت الصين في تحقيق اختراق دبلوماسي من خلال الوساطة بين الرياض وطهران. هذه الوساطة لم تكن مجرد مبادرة سياسية، بل جزءاً من رؤية استراتيجية صينية لملء الفراغ الذي تركته واشنطن.

زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الخليج في نهاية 2022 عمّقت المخاوف الأميركية من تقارب خليجي–صيني، خاصة مع رغبة قادة الخليج في التعامل مع بكين باعتبارها قوة اقتصادية مرنة مقارنة بواشنطن.

لماذا يقلق واشنطن التقارب السعودي–الإيراني؟

السياسة الأميركية تاريخياً تقوم على مبدأ “إدارة الصراعات” بدلاً من حلّها، كما حدث بين العراق وإيران في عهد صدام حسين، أو بين الهند وباكستان. هذا النهج مكّن واشنطن من الهيمنة على خيوط اللعبة الإقليمية.

لكن دخول الصين على خط الوساطة بين الرياض وطهران، وما نتج عنه من تفاهمات، أثار قلق المؤسسة الدبلوماسية الأميركية، لأنه يقطع الخيوط التقليدية التي اعتمدت عليها واشنطن.

ورغم أن استقرار الشرق الأوسط قد يفيد أميركا اقتصادياً عبر منع ارتفاع أسعار النفط، إلا أن اللوبي الصهيوني في واشنطن يجعل أي تقارب سعودي–إيراني مصدر إزعاج سياسي لإداراتها.

وساطة صينية منخفضة المخاطر وعالية المكاسب

يصف محللون غربيون دور الصين في الوساطة بأنه “منخفض المخاطر وعالي المكافأة”. فالصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، تعتمد على وارداتها من السعودية وإيران والعراق.

الوساطة الصينية ساهمت كذلك في حماية المصالح السعودية، حيث منعت طهران من إغلاق مضيق هرمز أثناء الحرب، وساعدت في تحييد هجمات الحوثيين على السعودية.

الاستثمار الصيني في جازان وأمن السعودية

الاستثمارات الصينية في منطقة جازان تعكس أهمية الوساطة مع إيران، حيث أدت التفاهمات إلى وقف هجمات الحوثيين على المدن السعودية منذ الاتفاق.

هذا الاستقرار فتح الباب لإنهاء الحرب في اليمن، وأثبت أن للصين مصلحة مباشرة في تعزيز الأمن السعودي من أجل حماية مشاريعها ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

مصلحة واشنطن في الوساطة الخليجية–الإيرانية

تحليل صادر عن معهد دول الخليج العربية أشار إلى أن واشنطن لديها مصلحة في استقرار المنطقة، خاصة مع خشيتها من تأثير الصراع على أسعار النفط وارتفاع التضخم بما يهدد خطط إدارة ترامب في الداخل.

لكن أزمات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تعود بالأساس إلى هيمنة اللوبي الإسرائيلي على القرار الأميركي، مما يجعل أي دور وساطة بديل – مثل الدور الصيني – مصدر توتر.

الصين والبديل المحتمل للهيمنة الأميركية

رغم نجاح الصين في الوساطة، إلا أنه من المبكر القول إنها قادرة على استبدال الولايات المتحدة كضامن أمني في الخليج. نجاح بكين سيعتمد على مدى صمود التقارب السعودي–الإيراني، وعلى قدرتها على الحفاظ على توازن العلاقات المعقدة في المنطقة.

لكن إن تمكنت الصين من ترسيخ التفاهمات وخفض التوتر، فستمتلك فرصة تاريخية لتوسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط، بالتوازي مع حضورها الاقتصادي المتنامي.

خاتمة

التحولات الأخيرة في الخليج بعد حرب غزة وحرب الـ12 يوماً كشفت عن مرحلة جديدة من إعادة تشكيل التحالفات الدولية. إذا كانت واشنطن مهددة بخسارة نفوذها التقليدي في الخليج، فإن الصين تبدو في موقع الرابح الأكبر من خلال الجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية. أما إيران، فهي تكسب مساحة جديدة من الشرعية الإقليمية عبر تفاهماتها مع السعودية.

السؤال المطروح: هل نحن أمام انتقال تاريخي لمركز الثقل من واشنطن إلى بكين في الخليج، أم أنها مجرد مرحلة تكتيكية عابرة؟

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى