السعودية تتحول نحو الصين والطاقة النظيفة: انقلاب جيوسياسي عالمي

لم تعد المملكة العربية السعودية مجرد بئر نفط عالمي. في ظل الإصلاحات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030، تسعى الرياض لتحويل اقتصادها القائم على الهيدروكربون إلى قوة طاقة متنوعة.

يشهد الاقتصاد السعودي تحوّلًا جيوسياسيًا عميقًا نحو الشرق، نحو الصين، مع تعزيز قدرة الدولة على تمويل مشاريع هيدروجين خضراء وطاقة شمسية ضخمة من خلال الإيرادات غير النفطية، التي تمثل الآن 40% من إجمالي الإيرادات الحكومية.

يهدف هذا التحول إلى إنهاء ما وصفه محمد بن سلمان بـ”إدمان البلاد على النفط”، مدعومًا بشراكة استراتيجية مع الصين لتسريع انتقال الطاقة وفتح آفاق جيوسياسية جديدة.

التحول الاقتصادي وإعادة صياغة مخطط الطاقة

بدأت المملكة في إعادة صياغة مخططها الاقتصادي منذ أبريل 2016 مع إعلان رؤية 2030، التي ركزت على تنويع مصادر الدخل والاعتماد على الموارد الطبيعية الأخرى مثل الذهب والفوسفات واليورانيوم.
تشمل أهداف الرؤية:

  • رفع الاستثمار الأجنبي المباشر من 3.8% إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • توسيع دور القطاع الخاص من 40% إلى 65%.
  • زيادة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • تطوير قطاعات استراتيجية مثل السياحة، التعدين، الطاقة المتجددة، والصناعات الدفاعية.

مشاريع الطاقة المتجددة: 270 مليار دولار للتحول الأخضر

خصصت الرياض حوالي 270 مليار دولار لمشاريع الطاقة المتجددة، مع التركيز على الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر.

  • الطاقة الشمسية: تشمل مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة ومحطة الطاقة الشمسية في مدينة نيوم الذكية، بقدرة 2.6 جيجاوات لتزويد أكثر من مليون منزل بالكهرباء.
  • طاقة الرياح: مزرعة دومة الجندل بقدرة 400 ميجاوات، لتغذية 70,000 أسرة بالكهرباء.
  • الهيدروجين الأخضر: إنشاء أكبر منشأة لإنتاج الأمونيا الخضراء في العالم، باستخدام الطاقة المتجددة لتقسيم جزيئات الماء، بالتعاون مع شركات عالمية ومستثمرين صينيين.

الإيرادات غير النفطية تتجاوز نصف الدخل الحكومي

في عام 2024، بلغت إجمالي الإيرادات الحكومية السعودية 336 مليار دولار، مع تراجع حصة النفط إلى 60%، وارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى 40% من إجمالي الدخل، ما يعكس تنويع مصادر التمويل ودعم مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر على المدى الطويل.

محور الطاقة السعودي-الصيني

تعكس الصفقات الطويلة الأجل مع الصين تعزيزًا للشراكة الاستراتيجية:

  • في أول خمسة أشهر من 2025، استحوذت الصين على 24.3% من صادرات النفط السعودية، مقابل 3.3% فقط للولايات المتحدة و0.2% للاتحاد الأوروبي.
  • صفقة بارزة: استحوذت أرامكو على 10% من شركة رونغشنغ البتروكيماويات الصينية بقيمة 3.6 مليار دولار مقابل عقد توريد 20 عامًا.
  • مشاريع مشتركة أخرى تسهم في تعزيز دور المملكة في أسواق الطاقة النظيفة والناشئة في شرق آسيا.

البنية التحتية المتجددة تتوسع بسرعة

تضاعف قدرة توليد الكهرباء المتجددة في المملكة من 6.5 جيجاوات إلى نحو 12.7 جيجاوات بحلول نهاية 2025، تشمل مشاريع مثل:

  • محطة ليلى للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 91 ميجاوات، بتطوير مشترك سعودي-صيني.
  • أنظمة تخزين البطاريات لمعالجة تقطعات الطاقة الشمسية والرياح.
  • تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية فائقة التنافسية، حيث سجل مشروع بسعر 0.0129 دولار/كيلوواط ساعة، من بين الأدنى عالميًا.

السعودية تهيمن على الطاقة المتجددة في المنطقة

تستحوذ المملكة على أكثر من 40% من التوسع المتوقع في الطاقة المتجددة بالمنطقة بين 2024 و2030، متقدمة على الإمارات وإسرائيل وعمان ومصر والعراق والمغرب مجتمعين (44%).
وتأتي هذه الزيادة مدفوعة بارتفاع الطلب المحلي والنمو السكاني السريع، وسط تحديات المناخ وزيادة الاستهلاك القياسي للكهرباء في المملكة ودول مجاورة مثل مصر والكويت.

خاتمة

توضح هذه التحولات الاقتصادية والاستراتيجية أن السعودية لم تعد مجرد دولة نفطية، بل قوة ناشئة في مجال الطاقة النظيفة والهيدروجين، مع شراكات استراتيجية مع الصين تضمن تعزيز مكانتها على الساحة الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى