الإمارات والسعودية: شراكة أم صراع خفي؟ قراءة غربية للنفوذ الخليجي

لطالما شكلت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جسرًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، كشفت السنوات الأخيرة عن أبعاد أعمق في هذه الديناميكية، إذ ظهر تنافس خفي يشمل الاقتصاد والسياسة الخارجية ومجالات النفوذ الإقليمي.

هذا الواقع أثار تساؤلات غربية وعربية حول طبيعة التحالف: هل نحن أمام شراكة استراتيجية متينة، أم مجرد واجهة لتنافس محسوب يدار خلف الكواليس؟

يقول الخبير الغربي في الشؤون الخليجية، مايكل ستيفنز من مركز كارنيغي للشرق الأوسط: “العلاقة بين الرياض وأبوظبي تشبه لعبة الشطرنج، حيث تحاول كل دولة توسيع نفوذها دون كسر التحالف الظاهر، وهو ما يعكس ذكاءً استراتيجيًا وعمقًا سياسيًا” (Carnegie Endowment).

التحول الاقتصادي: من شراكة إلى منافسة

في إطار رؤية 2030، تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، عبر مشاريع ضخمة تشمل نيوم ومشروع البحر الأحمر ومدينة القدية. وفقًا لمركز Stimson Center، تهدف الرياض من خلال هذه المشاريع إلى جذب الشركات العالمية وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يضعها على طريق أن تصبح مركزًا اقتصاديًا إقليميًا متقدمًا.

ويضيف الخبير الاقتصادي الغربي جوناثان هاريس: “السعودية تعمل على تعزيز مكانتها كوجهة استثمارية عالمية، وهذه الخطوة تمثل رسالة واضحة للشرق الأوسط والعالم بأنها قادرة على المنافسة الاقتصادية مع الإمارات” (Arab Center DC).

الإمارات: الحفاظ على المكانة الاقتصادية

تواصل الإمارات الحفاظ على مركزها التجاري والمالي العالمي من خلال دبي وأبوظبي، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة وخبرة الاستثمار الطويلة. تشير تقارير غربية إلى أن الإمارات تعزز مكانتها عبر الابتكار والتكنولوجيا والخدمات المالية، محاولةً الحفاظ على ميزة السبق في المنافسة الإقليمية.

يرى المحلل السياسي الغربي روبرت فيشر أن: “الإمارات تحافظ على تفوقها في القطاعات اللوجستية والسياحية والمالية، لكنها تواجه تحديًا حقيقيًا في مواجهة صعود السعودية الاقتصادي” (The Diplomat).

الخلاصة الاقتصادية: يشير الخبراء الغربيون إلى أن المنافسة الاقتصادية بين البلدين ليست مؤشر ضعف، بل أداة لتحفيز النمو والاستثمار، طالما تُدار ضمن أطر التحالف المشترك.

الملفات الجيوسياسية: اليمن والسودان كنماذج للتنافس

في اليمن، دعمت السعودية الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما فضلت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي. وفقًا لتقرير Arab Center Washington DC، أدى هذا التباين إلى تعقيد جهود التحالف في مواجهة الحوثيين، وكشف عن اختلاف أولويات الطرفين.

في السودان، تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، بينما تدعم السعودية الجيش السوداني. ترى التحليلات الغربية أن هذا التباين يعكس رغبة كل دولة في توسيع نفوذها في القارة الأفريقية والمنطقة العربية على حد سواء (Next Century Foundation).

ويشير الدبلوماسي الغربي جونسون فولتون إلى أن: “التعاون بين السعودية والإمارات قائم، لكن الاختلاف في الملفات الاستراتيجية يجعل العلاقة أكثر ديناميكية، وهو ما يشير إلى تحوّل التنافس إلى تنافس محسوب وليس تصادميًا”.

النفوذ في إفريقيا: شراكة أم منافسة؟

الإمارات: استثمارات استراتيجية

تستثمر الإمارات في إفريقيا عبر موانئ ومطارات وبنى تحتية استراتيجية، وفقًا لمراكز أبحاث غربية، ما يمنحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا متناميًا. يرى الخبراء أن هذه الاستثمارات ليست مجرد اقتصادية، بل أداة لتعزيز النفوذ الإقليمي في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.

السعودية: منافسة متزايدة

في المقابل، بدأت السعودية في السنوات الأخيرة تكثيف استثماراتها في قطاعات التعدين والطاقة والزراعة والبنية التحتية، مما يدل على رغبتها في منافسة الإمارات على النفوذ الإقليمي في إفريقيا (ORF).

التحليل الغربي: من شركاء إلى منافسين محسوبين

تجمع الآراء الغربية على أن العلاقة بين السعودية والإمارات تتحرك في مسار مزدوج: شراكة استراتيجية ظاهرة وتنافس دقيق مدروس على الأرض.

وفق مركز Stimson Center: “تزايدت التوترات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، مما قد يعيد تشكيل العلاقات ويؤثر على الاستقرار الإقليمي”.

ويشير روبرت فيشر من The Diplomat إلى أن هذا التنافس: “يعكس وعي الطرفين بأهمية توسيع النفوذ دون المساس بالتحالف، وهو تنافس صحي نسبيًا يحفز النمو ويوازن القوة في المنطقة”.

الخلاصة: توازن دقيق بين التعاون والتنافس

العلاقة بين السعودية والإمارات تمثل تحالفًا استراتيجيًا قائمًا على إدارة الاختلافات، حيث يجتمع الطرفان في بعض الملفات ويتنافسان في أخرى. المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية لا تنفي التعاون، بل تعزز ذكاء التحالف، شرط إدارة الاختلافات بدقة لمنع التصادم.

يرى المراقبون الغربيون أن هذا التوازن بين التعاون والتنافس يشكل نموذجًا يمكن أن يرسّخ مكانة الخليج كلاعب رئيسي في الساحة الدولية، بينما يظل مراقبو الغرب يقظين لمستقبل العلاقة بين القوتين الخليجيتين (Carnegie Endowment).

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى