من الشرق الأوسط إلى العالم: لماذا لا يوقف أحد نتنياهو عند حده؟

في الوقت الذي يعيش فيه الشرق الأوسط أخطر مراحله السياسية والأمنية، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدفع بسياسات توسعية عدوانية، مستخدماً الحرب على غزة كمنصة لإعادة رسم خريطة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. ويثير سلوك نتنياهو مخاوف واسعة من أن تكون الإبادة الجماعية الجارية في غزة مجرد بداية لحملة إقليمية أوسع، وسط عجز المنظمات الدولية عن وقف الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عنها.

محكمة العدل الدولية تمنح إسرائيل “مهلة إضافية”

عندما تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة، كان من المتوقع أن يشكّل ذلك منعطفاً في مسار العدالة الدولية. إلا أن المحكمة منحت إسرائيل تسعة أشهر لتقديم دفاعها، انتهت في يوليو الماضي، قبل أن توافق على تمديد المهلة ستة أشهر أخرى بحجة “القضايا الإثباتية”.

هذا القرار أثار موجة من الانتقادات، خصوصاً وأنه خلال فترة التأجيل قُتل أكثر من 250 فلسطينيًا جراء المجاعة التي فرضتها إسرائيل كسلاح حرب، بحسب تقارير أممية، فيما تشير تقديرات إلى أن آلاف المدنيين قضوا بسبب القصف العنيف. ويرجّح خبراء أن المحكمة لن تصدر أي حكم قبل عام 2027 على أقل تقدير، ما يعني مزيداً من الوقت لإسرائيل لتكريس سياسة الإفلات من العقاب.

تسريبات: نتنياهو أمر بتجويع غزة لكسر المقاومة

كشفت تسريبات نشرتها القناة 13 الإسرائيلية في مارس الماضي، أن نتنياهو ومعه وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر قادا حملة داخل مجلس الوزراء لفرض المجاعة على غزة “حتى تستسلم حماس”، رغم معارضة كبار قادة الجيش والأمن.

ورغم تكذيب نتنياهو لاحقاً لهذه المعلومات وادعائه أنها مجرد “خيال معادٍ لليهود”، فإن الصور الموثقة من وكالات الإغاثة الدولية – لأطفال فلسطينيين يعانون من سوء تغذية حاد – تكذب الرواية الرسمية الإسرائيلية. بل وصل الأمر إلى أن الجيش الإسرائيلي نفسه حاول إنكار وجود مجاعة، متحدياً تقارير اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي التي تؤكد العكس.

تعطيل المحكمة الجنائية الدولية: ضغوط أمريكية وإسرائيلية

إلى جانب تعطيل محكمة العدل الدولية، تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لمحاولات إجهاض مماثلة. فقد تم شل عمل المدعي العام البريطاني كريم خان بعد اتهامات بالتحرش الجنسي، ينفيها بشدة، لكن حملة التشويه أجبرته على التنحي مؤقتاً.

وبحسب تقارير ميدل إيست آي، فإن مذكرات اعتقال جاهزة بحق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش لم تُنفذ حتى الآن، ما يجعل إمكانية محاسبتهم على جرائم الفصل العنصري شبه معدومة.

وفي خطوة لافتة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خان وأربعة من قضاة المحكمة في محاولة واضحة لتعطيل مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وبهذا نجحت واشنطن وتل أبيب في إفراغ المحكمة الجنائية من فعاليتها، لتتحول إلى مؤسسة شكلية غير قادرة على التعامل مع جرائم الإبادة في فلسطين.

إبادة جماعية “موثقة” بشهادة خبراء

خبراء القانون الدولي ودراسات الهولوكوست أجمعوا على أن ما يحدث في غزة يتجاوز توصيف “الجرائم المحتملة” ليصل إلى عتبة الإبادة الجماعية.

  • راز سيغال، أستاذ في دراسات الهولوكوست، وصف العدوان الإسرائيلي بأنه “حالة كتابية للإبادة الجماعية”، مؤكداً أن التحذيرات المبكرة في أكتوبر 2023 كانت كافية لتفعيل واجب المجتمع الدولي في منع الجريمة.
  • باري تراختنبرغ، أستاذ التاريخ اليهودي في جامعة ويك فورست، أشار إلى أن التصريحات العلنية للقادة الإسرائيليين عن استهداف المدنيين تعزز إثبات النية الجنائية.
  • عمر بارتوف، أستاذ في جامعة براون، شدد على أن الهدف الحقيقي للحرب لم يكن القضاء على حماس أو تحرير الرهائن، بل جعل غزة غير صالحة للحياة.

هذه الشهادات تعزز الرأي القانوني بأن ما يجري في غزة لم يعد مجرد “إبادة جماعية معقولة” بل جريمة مكتملة الأركان.

تواطؤ دولي وصمت إقليمي

ورغم أن جنوب أفريقيا قدّمت ملف القضية، فإنها لم توقف تعاملاتها الاقتصادية مع إسرائيل، بما في ذلك تصدير الفحم. كما أن تركيا – رغم خطابها السياسي الحاد ضد الحرب – لا تزال تسمح بمرور النفط الأذربيجاني عبر ميناء جيهان في طريقه إلى إسرائيل.

هذا التناقض يعكس حالة عامة من العجز العربي والإسلامي، حيث يكتفي القادة بالخطاب السياسي دون خطوات عملية لوقف المجازر أو فرض عزلة دولية على إسرائيل.

الغرب يواصل تبرير “حق الدفاع عن النفس”

على الجانب الآخر، ما زالت عواصم غربية كبرى مثل باريس وبرلين ولندن تكرر مقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، رغم توثيق جرائم حرب وانتهاكات إنسانية واسعة. ويؤكد محللون أن التركيز الغربي على نتنياهو وبعض وزرائه كمسؤولين فرديين، يخفي حقيقة أن المشروع الإسرائيلي بأكمله قائم على سياسات توسعية وفصل عنصري.

خلاصة: هل يوقف أحد نتنياهو؟

مع شلل العدالة الدولية، واستمرار الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، يبدو أن نتنياهو ماضٍ في مشروعه للسيطرة الإقليمية. الإبادة الجماعية في غزة ليست سوى بداية لمسار أشمل قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط بالقوة، في ظل غياب موقف دولي جاد قادر على وضع حد للجرائم.

الكلمة الأخيرة

نتنياهو اليوم لا يواجه فقط اتهامات بارتكاب إبادة جماعية، بل يختبر حدود المجتمع الدولي برمته. وإذا لم تتمكن محاكم العدل والجنائية الدولية من أداء دورها، فإن الشرق الأوسط بأسره قد يكون على موعد مع موجة جديدة من الدم والدمار.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى