الصراع الخفي.. هل تتحول الحرب التجارية بين أميركا والصين إلى حرب إرادات؟

تواجه الولايات المتحدة تحديات متصاعدة في إدارة علاقاتها التجارية مع الصين، في ظل العجز التجاري الكبير الذي بلغ نحو 300 مليار دولار. هذا الرقم الضخم كان الشرارة التي دفعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى اعتماد نهج مزدوج، يجمع بين الهجوم والضغط المباشر من جهة، والدفاع وبناء البدائل الاستراتيجية من جهة أخرى.

نهج هجومي وضغط متواصل

في الجانب الهجومي، سعت الإدارة الأميركية إلى ممارسة أقصى ضغط على بكين، متمسكةً بمواقفها التفاوضية حتى النهاية، ورافضةً تقديم أي تنازلات إلا مقابل تنازلات ملموسة من الجانب الصيني. أما في الجانب الدفاعي، فقد تم استخدام التعريفات الجمركية ليس فقط كأداة مساومة، بل كوسيلة لإنعاش الصناعة الأميركية عبر:

  • إعادة سلاسل التوريد إلى الداخل.
  • إعادة بناء القاعدة الصناعية الوطنية.
  • تقوية التحالفات الاستراتيجية لتقليل الاعتماد على الصين.

صدمة في الأسواق وتحولات عالمية

قناة فوكس نيوز الأميركية أشارت إلى أن هذه السياسات لم تكن سهلة التنفيذ، إذ أحدثت الرسوم الجمركية هزات قوية في الأسواق العالمية، وهددت بتنفير بعض الشركاء التجاريين. ورغم ذلك، تمثلت استراتيجية البيت الأبيض في الصمود على المدى الطويل، لضمان شروط تجارية عادلة ومتبادلة، خصوصًا في عالم باتت فيه أشباه الموصلات والمعادن النادرة بمثابة النفط الجديد.

تكتيكات صينية نفسية في المفاوضات

الكاتب ميشيل سينك روى تجربته في هذه المفاوضات، مؤكداً أن المسؤولين الصينيين اعتمدوا على تكتيكات نفسية معقدة، منها:

  • الردود البطيئة المتعمدة.
  • تسليم المسودات في اللحظات الأخيرة باللغة الصينية.
  • حتى إزالة الكراسي من طاولات المفاوضات.

وأوضح أن هذه الأساليب تهدف إلى إرباك الفريق الأميركي وزيادة التوتر لدفعه نحو التسوية.

تشديد الرسوم الجمركية وتوسيع التحالفات

رغم هذه التحديات، تمسكت الولايات المتحدة بالمسار، فارتفعت الرسوم الجمركية لتصبح أكثر استهدافًا وصرامة. كما تم توقيع اتفاقيات مع حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، ما سمح لواشنطن بالتركيز أكثر على بكين.
وحتى عندما تم تمديد المواعيد النهائية، كان ذلك يتم وفق شروط أميركية بحتة.

انتقادات وحقائق اقتصادية

المنتقدون يرون أن الرسوم الجمركية رفعت أسعار المستهلكين في الداخل الأميركي، وهو أمر صحيح جزئيًا. لكن المؤيدين يؤكدون أن الصورة الأوسع تكشف أن هذه الرسوم ليست سوى أداة لإعادة هيكلة الحوافز الاقتصادية، وجذب الاستثمارات إلى الداخل، وضمان عدم بقاء الولايات المتحدة ضعيفة في قطاعات استراتيجية مثل الدفاع والتكنولوجيا والطاقة.

طفرة في الاستثمار الصناعي

بفضل هذه السياسة، تسارعت الاستثمارات في:

  • مصانع الرقائق الإلكترونية.
  • مصانع البطاريات المتقدمة.
  • البنية التحتية للطاقة.

كما فرضت هذه التطورات نقاشات صعبة مع الحلفاء حول مواءمة سلاسل التوريد، بدءًا من معالجة المعادن النادرة في أستراليا، وصولًا إلى بناء تحالفات لأشباه الموصلات مع اليابان وهولندا.

بكين تسلح المعادن النادرة وأميركا ترد

عندما حولت الصين صادراتها من الغاليوم والغرافيت – الضرورية للدفاع والإلكترونيات – إلى سلاح ضغط، ردت واشنطن بتفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، وعززت شراكاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. الرسالة كانت واضحة:
أميركا لن تبقى رهينة للإكراه الاقتصادي الصيني.

الأمن القومي في قلب الصراع

الملف لم يعد مجرد نزاع تجاري على الرسوم أو التبادل التجاري، بل أصبح مرتبطًا مباشرةً بـ الأمن القومي الأميركي. فالحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي يتطلب مرونة وصمودًا، حتى لو ترافق ذلك مع تكاليف قصيرة المدى.

الخلاصة

الحرب التجارية بين أميركا والصين تجاوزت حدود الاقتصاد إلى صراع إرادات وسيطرة على المستقبل التكنولوجي.

  • واشنطن تتمسك بالرسوم الجمركية كأداة لإعادة بناء الصناعة الوطنية.
  • بكين ترد بتكتيكات نفسية وتسليح الموارد الاستراتيجية.
  • الأسواق العالمية تعيش حالة توتر، بينما تتحول المعادن النادرة وأشباه الموصلات إلى سلاح القرن الجديد.

في النهاية، يبدو أن هذه الحرب لم تعد مجرد نزاع اقتصادي، بل سباق وجودي يرسم ملامح النظام العالمي المقبل.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى