تحليل أميركي: الهيمنة الإسرائيلية المدعومة من واشنطن تهدد السلام في الشرق الأوسط

أكد تحليل أميركي حديث أن إسرائيل، المدعومة بقوة عسكرية أمريكية غير محدودة ودعم لا يتزعزع، لم تعد مجرد قوة إقليمية، بل أصبحت قوة مهيمنة تسعى للسيطرة على المنطقة، وليس لتحقيق السلام. ويطرح التحليل تساؤلات مهمة حول قدرة إسرائيل على أن تكون شريكًا حقيقيًا للسلام، خصوصًا في أعقاب العمليات العسكرية الأخيرة التي شملت غزة ولبنان وسوريا واليمن، فضلاً عن الضربات الإسرائيلية المباشرة ضد إيران.
إسرائيل تتحول من قوة دفاعية إلى قوة مهيمنة
يشير التحليل إلى تحول جذري في النظرة العربية التقليدية تجاه إسرائيل. فقد كان يُنظر إليها في الماضي على أنها “داود” الذي يواجه “جالوت العرب”، لكن اليوم تبدو الأدوار معكوسة. إسرائيل، التي تم تمكينها بقوة عسكرية غير محدودة ودعم أمريكي ثابت، لم تعد تكتفي بالدفاع عن نفسها، بل تستخدم قوتها العسكرية لتغيير المعادلة الاستراتيجية في المنطقة بشكل شامل.
تشعر دول الخليج بالقلق من أن إسرائيل، بدلاً من أن تكون قوة للحفاظ على الوضع الراهن، قد تتحول إلى قوة تسعى إلى قلب النظام الإقليمي وفرض الهيمنة على دول الجوار.
مراجعة اتفاقات إبراهام في ظل التحولات الإقليمية
اتفاقات إبراهام، التي أُنشئت لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، تواجه اليوم تحديات كبيرة. فقد رفض الكنيست الإسرائيلي في يوليو 2024 أي دولة فلسطينية مستقبلية، كما رفض اقتراحًا سعودي-فرنسيًا لحل الدولتين في يوليو 2025، مما عزز الانطباع بأن إسرائيل تتبنى سياسة متطرفة تجاه القضية الفلسطينية.
الجهود لتوسيع نطاق الاتفاقات لتشمل دولًا ذات أغلبية مسلمة مثل أذربيجان وكازاخستان لم تعد تركز على السلام، بل على تعزيز النفوذ الأمريكي والإسرائيلي ضد إيران وروسيا، وهو ما أدى إلى احتجاجات شعبية في هذه الدول خلال حرب غزة الأخيرة، ما يعكس تزايد استياء الشعوب العربية والإسلامية من غياب العدالة للفلسطينيين.
تأثير العمليات العسكرية الإسرائيلية على الاستقرار الإقليمي
منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة، التي أودت بحياة أكثر من 60,000 فلسطيني، وحتى الهجمات الإسرائيلية على إيران ولبنان وسوريا واليمن، باتت إسرائيل لاعبًا رئيسيًا يهدد الاستقرار الإقليمي. الهجمات الإسرائيلية المباشرة على الأراضي الإيرانية قبل انطلاق جولة جديدة من المحادثات النووية الأمريكية-الإيرانية أظهرت أن إسرائيل تتصرف بشكل مستقل عن الضغوط الدولية، بما فيها الضغوط الأمريكية والأمم المتحدة.
هذه العمليات لم تقتصر على مواجهة الأعداء المباشرين، بل شملت استهداف البنية التحتية العسكرية، السجون، القواعد شبه العسكرية، ومناطق الأقليات في إيران وسوريا، ما يزيد المخاوف الخليجية من أن تتحول إسرائيل إلى قوة توسعية استراتيجية تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
اهتزاز ثقة الخليج بالولايات المتحدة
أظهرت الهجمات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، وردود الفعل الإيرانية على قواعد جوية في قطر، محدودية الضمانات الأمريكية. إلى جانب فشل الإدارة الأمريكية السابقة في الرد على هجمات 2019 على منشآت النفط السعودية، يدرك صناع القرار في الخليج أن الاعتماد على الحماية الأمريكية وحدها لم يعد كافيًا لضمان الأمن الإقليمي.
هذا دفع بعض دول الخليج، مثل قطر وعمان، لإعادة دورها كوسطاء دبلوماسيين بين إيران والغرب، فيما اتبعت المملكة العربية السعودية مسار الحذر، بالحفاظ على قنوات مفتوحة مع إسرائيل مع إعادة بناء العلاقات مع إيران، وتعزيز الاستقرار الداخلي، وتحسين الأمن الإقليمي في العراق وسوريا واليمن.
الطريق نحو سلام مستدام
يؤكد التحليل أن السلام لن يتحقق من خلال الهيمنة العسكرية، بل من خلال التعاون، الاعتراف المتبادل، وتحقيق العدالة للفلسطينيين. يجب على إسرائيل أن تتصرف كمواطن مسؤول داخل المنطقة، وليس كقوة احتلال، فيما يتعين على دول الخليج دعم إقامة الدولة الفلسطينية كجزء من إطار سلام شامل ومستدام.
كما أن السلام القابل للتطبيق قد يعتمد على إطار إقليمي يشمل إسرائيل وإيران، ويقوم على مبادئ عدم الاعتداء، ضبط النفس، السيادة، والمعاملة بالمثل، لضمان الاستقرار طويل الأمد.
واقع متعدد الأقطاب يتطلب توازنًا استراتيجيًا
غياب التوازن الإقليمي بين القوى قد يؤدي إلى فراغ يسعى أطراف خارجية لملئه، ما يهدد الاستقرار ويجلب أشكالًا جديدة من الفوضى. لذلك يرى المحللون أن إدارة القوة ليست خيارًا بل ضرورة استراتيجية لإقامة نظام إقليمي مستقر يقوم على ضبط النفس، السيادة، والمعاملة بالمثل، وهو ما يضمن تحقيق السلام والاستقرار بعيدًا عن الهيمنة والإجبار العسكري.
لندن – اليوم ميديا