صنعاء تتحدى الهيمنة الغربية على ممرات التجارة في البحر الأحمر

لم تعد الحكومة اليمنية التي يقودها أنصار الله في صنعاء تدافع عن غزة فحسب، بل تعيد تشكيل أسس الردع الإقليمي والسيادة. ولا يبدو أن أي شيء يمكن أن يوقفها.

ولم تؤثر الاغتيالات الإسرائيلية لرئيس الوزراء اليمني أحمد غالب الرهوي وأعضاء حكومته على موقف الحركة أو استراتيجيتها، إذ يأتي ذلك ضمن مسار صنعاء الذي اختارته للمواجهة المباشرة مع أسس النظام الأمني الغربي في غرب آسيا، المبني أساسًا على حماية إسرائيل.

في أعقاب عمليات الاغتيال المستهدفة في 28 أغسطس، والتي استهدفت 11 وزيرًا آخر على الأقل، توافد آلاف اليمنيين إلى مسجد الشعب بالعاصمة، الذي كان يُعرف سابقًا باسم مسجد الصالح، لحضور جنازة أصبحت رمزًا للتحدي.

وقال مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهددًا إسرائيل: “انتقامنا سيأتي، وأيام مظلمة تنتظركم لما أحدثته أيدي حكومتكم القذرة الغادرة”، معبرًا عن استعداده للتصعيد العسكري. وأكد نائب الرهوي، محمد مفتاح، في كلمته للمشيعين: “نحن نواجه أقوى إمبراطورية استخباراتية في العالم، ونواجه الكيان الصهيوني بأكمله بما في ذلك الإدارة الأمريكية والعرب الصهاينة والجواسيس داخل اليمن.”

صعود اليمن كعنصر مركزي في الصراع الإقليمي

بعد ما يقرب من عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة، شق اليمن طريقه إلى قلب المواجهة الإقليمية كعنصر فاعل. ومن داخل قيود الحصار، طور نموذجًا قويًا للردع البحري والصاروخي غير المتماثل، ليصبح نقطة اختناق جيوسياسية قادرة على إعادة ضبط موازين القوى في البحر الأحمر وبحر العرب.

وتظهر قوة صنعاء ليس بعدد الضربات أو السفن المستهدفة، بل بقدرتها على فرض قواعد الاشتباك الإقليمية، وهو ما فشلت القوى الغربية المدعمة لإسرائيل في منعه.

ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية أن حملتها البحرية ستكون مرتبطة بمصير الجيب الفلسطيني المحاصر، ما سمح لها بالظهور لأول مرة في التاريخ الحديث كقوة عسكرية ضاربة ومرئية في المنطقة.

التصعيد البحري اليمني

في 22 أغسطس 2025، أطلقت القوات الجوية اليمنية صاروخًا على مطار بن غوريون، وقال محققون إسرائيليون لاحقًا إنه حمل رأسًا حربيًا عنقوديًا، ما يمثل أول استخدام مؤكد لمثل هذه الحمولة ضد دولة الاحتلال.

تتفكك الرؤوس الحربية العنقودية في الجو إلى عدة قنابل صغيرة تغطي مساحة واسعة، ما يجعلها فعالة ضد المطارات والمراكز اللوجستية وأنظمة الدفاع الجوي المتفرقة، ويصعب اعتراضها حتى باستخدام القبة الحديدية الإسرائيلية.

وأشار هذا التطور إلى أن مذهب اليمن الصاروخي تجاوز حدود الردع التقليدي، ليصبح قادرًا على تعطيل القواعد الجوية والموانئ بشكل مباشر، وأن التهديد لم يعد فقط في الكم، بل في الدقة والقدرة على الاختراق.

العمليات البحرية وتأثيرها على التجارة العالمية

أدت السياسة البحرية اليمنية إلى استهداف السفن التي تحاول كسر الحصار المفروض على التجارة الإسرائيلية. ففي 7 يوليو، استهدفت القوات اليمنية سفينة تجارية ترفع العلم الليبيري، ماجنا تشيكوسلوفاكيا، وأغرقتها قبالة الساحل الجنوبي الغربي لليمن، تلتها عملية ثانية أغرقت “الخلود سي” أثناء توجهها إلى ميناء أم الرشراش الإسرائيلي (“إيلات”).

ونشرت وسائل الإعلام العسكرية اليمنية لقطات عالية الدقة للعمليتين، ما يظهر التخطيط والدقة والثقة العملياتية. وأكد عبد الملك الحوثي أن هذه الضربات أعادت إغلاق ميناء أم الرشراش، وأصبحت رسالة رادعة للشركات التي تسعى لتقويض الحظر البحري اليمني على التجارة الإسرائيلية.

العجز الغربي والابتكار اليمني

رغم التفوق البحري والجوي الغربي، فشل الغرب في تحييد التهديد اليمني. وقد اعتمدت قوة صنعاء على البراعة المحلية، البراغماتية التكتيكية، والتنسيق مع حلفاء المقاومة، مع استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ البحرية والألغام، ما سمح بفرض تكاليف استراتيجية دون خوض حرب مباشرة.

توضح هذه الاستراتيجية نموذج الردع الهجين، الذي يعيد رسم قواعد الاشتباك دون انتظار الاعتراف الدولي. ومع توقف العمليات العسكرية الأمريكية المباشرة، أصبحت الردود الغربية محدودة وغير فعالة، بينما نجحت صنعاء في تعزيز موقعها الاستراتيجي.

تحول العقلية الاستراتيجية في اليمن

تشير العمليات الأخيرة إلى تحول في التفكير الاستراتيجي للقيادة العسكرية اليمنية، مع التركيز على تعزيز الحصار وتوجيه تحذيرات وقائية. وأظهرت الضربات على السفن قدرة اليمن على شن حرب بحرية معقدة باستخدام مزيج من الصواريخ والطائرات بدون طيار والقوارب والألغام، كما عززت قوة صنعاء وصورتها كقوة مقاومة للتدخل الأمريكي والإسرائيلي.

وتوضح التقارير أن صنعاء رسخت هيمنتها البحرية بحلول يوليو 2025، مع تخزين الطائرات بدون طيار والصواريخ، وإدخال أنظمة دفاعية حديثة، ما جعلها في موقع استراتيجي قوي ضد الضربات الغربية.

إعادة تعريف السيادة والأمن الإقليمي

تعكس عمليات اليمن الجديدة عقلية أمنية تقوم على الردع الوقائي والسيطرة الرمزية على البنية التحتية العدائية، وإعادة تعريف مفهوم السيادة والأمن في غرب آسيا. ومع استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية، توضح المصادر اليمنية أن أي تصعيد اقتصادي سيقابل برد بحري مباشر، مؤكدين أن عصر السيطرة الأحادية على طرق التجارة وفرض القرارات العسكرية من قبل القوى الأطلسية في المنطقة يقترب من نهايته.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى