قمة عربية إسلامية تاريخية في قطر: هل تنجح في تغيير مسار الأحداث؟

القمة العربية الإسلامية التي تجمع القادة في الدوحة، جاءت كرد فعل على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مقرات سكنية لقيادات حركة حماس في العاصمة القطرية، وترتب عليه استنكار واسع وإدانة من دول عربية وإسلامية، كما ورد في مشروعات البيانات الصادرة قبيل القمة.

هذا الهجوم جاء في وقت حسّاس من الحرب على غزة التي اندلعت منذ 7 أكتوبر 2023، وأدت إلى أزمات إنسانية عميقة، تجاهل دولي يُتهم بأنه أدّى إلى تطرّف الخطابات، وتوسع رقعة الانقسام السياسي الذي يطال حتى داخل المنظومة العربية والإسلامية. 

الدعم التضامني مع قطر: خطوة أولى أم مجرد رمزية؟

من الواضح أن أحد أهم الرسائل الأولية للقمة هو تأكيد التضامن مع قطر، كما قال أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط: «قطر ليست وحدها، والدول العربية والإسلامية تقف بجانبها». 

لكن الخبراء الغربيين، وفق التغطيات الصحفية، يرون أن التضامن وحده لا يكفي لتغيير ديناميات الصراع والرد على العدوان. فمصادر غربية تُشير إلى أن مسودات البيان القُطريّة تتضمن إدانات قوية وتحذيرات من أن السلوك الإسرائيلي قد يهدد اتفاقات التطبيع القائمة والمستقبلية، مثل اتفاقات “أبراهام”. 

التحليل الغربي يدعو إلى تقييم جدّية هذه الإدانات: هل ستكون مجرد بيانات دبلوماسية، أم تُترجَم إلى مواقف عملية — مثل مقاطعة دبلوماسية، خفض علاقات، أو حتى إجراءات قانونية؟ حتى الآن، يبدو أن بعض الدول الخليجية، رغم استيائها، مترددة في قطع العلاقات أو تصعيد المواجهة إلى مستوى يمكن أن يُحدث تغييرًا فعليًا. 

التشاؤم والفرصة

خبراء غربيون في الشؤون الدولية غالبًا ما يشيرون إلى أن معظم قمم مماثلة في الماضي انتهت ببيانات قوية ولكن قليلة المفعول الحقيقي، خاصة إذا لم تُرافقها إجراءات تنفيذية. أحد المحللين الأوروبيين تساءل لمصدر صحيفة غربية: “كم من القمم قبل هذه قدمت بيانات إدانة قوية، ثم عاد الجميع إلى علاقاتهم المعتادة، بينما استمر الصراع على الأرض؟” .

كما أن وجود انقسامات داخلية عربية وإسلامية حول أجندة الصراع — مثل موازين القوة مع إسرائيل، العلاقة مع الولايات المتحدة، التأرجح بين مصلحة المصالح الوطنية والدينية — قد يضعف من القدرة على اتخاذ قرارات موحدة تنفيذية.

الدعم الشعبي والدولي

من جهة أخرى، هناك من الخبراء من يرى أن الزخم الذي ولّدته التغطية الإعلامية، والغضب الشعبي، والضغط الدولي يمكن أن يجعل هذه القمة نقطة تحوّل إن كانت مُدعَّمة بإجراءات واضحة وسريعة.

  • مثال: المسوِّدات التي تشير إلى أن القمة تحذر من أن العدوان الإسرائيلي على قطر واستمرار الممارسات العدوانية يُقوض فرص السلام والاتفاقات التطبيعية.
  • رأي آخر ينطلق من أن الدول العربية التي كانت مترددة في إعادة ترتيب أولوياتها — من التركيز الاقتصادي إلى الاعتبارات الأمنية والدبلوماسية والانسانية — قد تجد في هذا الحدث فرصة لإعادة ضبط مواقفها، خاصة في ظل تجديد الشكوك الشعبية تجاه السياسات التي تُنظر إليها على أنها تتساهل مع إسرائيل.

ما الذي يلزمه الأمر لتحويل القمة إلى نقطة تحول؟

لكي تصبح قمة الدوحة أكثر من “حدث رمزي” وتتحول إلى تغيير فعلي مفصّل، يجب تحقيق بعض الشروط:

  1. إجراءات ملموسة وسريعة
    بيانات إدانة فقط ليست كافية. يجب أن تشمل الإجراءات: مقاطعة دبلوماسية، شكوى قانونية أمام المحاكم الدولية، تجميد التطبيع إن استدعى الأمر، وربما دعم أكبر للمؤسسات الإنسانية والمشروعات التي تتخذها الدول الأعضاء.
  2. توحد الموقف العربي والإسلامي
    ضرورة أن تكون المواقف المتخذة من القمة ليست مقيدة بدول بعينها أو تأثرها بتحالفات خارجية، بل أن تقرّ بجدو الريبة الذي يعمّ المنطقة، وتمنح الأولوية لحقوق الإنسان والقرارات القانونية الدولية والدبلوماسية المشتركة.
  3. استغلال الدعم الدولي
    القمة يجب أن تُركّز على خلق توازن ضغط بين المجتمع الدولي: الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المحاكم الدولية، بل حتى الرأي العام الغربي، لفرض مسؤولية على إسرائيل، أو أجبارها على الالتزام بالاتفاقات والأعراف الدولية.
  4. متابعة ما بعد القمة
    ينبغي أن تُنشأ لجان متابعة، أو سفراء سلام أو وفود دبلوماسية مُكلَّفة بتنفيذ القرارات التي ستصدر، وليس الاكتفاء بخطاب قوي ومن ثم التراجع، كما حصل في مناسبات سابقة.

هل تستطيع القمة تغيير مسار الأحداث؟

إذاً، هل القمة قادرة على تغيير مجرى الأحداث؟ الجواب هو: نعم، بشرط أن تدخل في آلية تنفيذية قوية وتراعي المتغيرات الدولية والمحلية، وإلا فستبقى مجرد قمة تُضاف إلى سجل اللقاءات التي تعطي شعورًا بالتحرك ولكن تحقق تغييرًا محدودًا.

في تحليلات الخبراء الغربيين، هناك ميل إلى الاعتقاد أن الحدث في حد ذاته مهم، لأنه يؤشر إلى أن الدول العربية والإسلامية باتت تشعر بأن “خط أحمر” تم تجاوزه، وأن الصمت أو المواقف الرمزية لم تعد كافية. هذا بحد ذاته تغيير مهم.

لكن من جهة أخرى، التحدي الأكبر هو مدى قدرات الدول المشاركة على التنسيق، والتضحية بعلاقات اقتصادية أو استراتيجية مع إسرائيل أو مع دول داعمة لها، فضلاً عن مدى استجابة إسرائيل والجهات الدولية الضاغطة. إن فشلت القمة في أن تُقترن بالإجراءات، فقد تُختزل كحدثٍ تاريخي رمزي، لكن بلا تأثير طويل.

في الختام، القمة العربية الإسلامية في قطر تحمل إمكانات تغييرية حقيقية، ولكن نجاحها يعتمد على الأداء، والخطوات التي تأتي بعدها، لا على الخطاب وحده. إذا نجحت في تجاوز الرمزية وأظهرت التزامًا عمليًا، يمكن أن تشكل نقطة تحول في مسار النزاع العربي-الإسرائيلي، وعلى الأقل في موازين القوى السياسية والدبلوماسية في المنطقة.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى