انقلاب استراتيجي يهز الأمن العربي بعد ضربة قطر

الضربة الإسرائيلية على قطر لم تكن حدثًا عابرًا في سياق الصراع الإقليمي، بل نقطة انعطاف استراتيجية هزّت منظومة الأمن العربي وأعادت صياغة أولويات دول المنطقة. في خضم هذه التطورات، أبرمت السعودية اتفاقًا دفاعيًا شاملاً مع باكستان، القوة النووية الصاعدة في جنوب آسيا، في خطوة فسّرها محللون بأنها بداية خروج الرياض من المظلة الأمنية الأميركية. صحيفة «دون» الباكستانية أشارت إلى أن الاتفاق مفتوح أمام انضمام دول عربية أخرى، ما يجعله نواة لتحالف دفاعي جديد قد يتوسع إقليميًا.

العراق نحو روسيا وقطر نحو الصين

هذا التحول لا يقتصر على السعودية. فالعراق طلب رسميًا تعزيز مظلته الأمنية عبر روسيا بدلاً من الولايات المتحدة، وهو مؤشر على تراجع النفوذ الأميركي في بغداد لصالح موسكو. أما قطر، فقد فتحت قنوات مع الصين لشراء ما يصل إلى 60 مقاتلة حديثة، في خطوة اعتبرها خبراء بريطانيون، مثل مايكل ستيفنز (المعهد الملكي للخدمات المتحدة RUSI)، «جزءًا من تحول استراتيجي يجعل الخليج ساحة مفتوحة أمام القوى الآسيوية الصاعدة».

اتفاق سعودي – باكستاني يغير قواعد اللعبة

يرى محللون غربيون أن الاتفاق بين السعودية وباكستان يمثل تحولًا نوعيًا في العلاقات الدفاعية الدولية. الباحثة الأميركية كارين يونغ (معهد الشرق الأوسط – MEI) تؤكد أن هذا الاتفاق «يحرر السعودية من الضغوط الأميركية المتزايدة بشأن التطبيع مع إسرائيل، ويفتح أمامها مجالًا أوسع لتنويع مصادر السلاح بعيدًا عن الصناعات الغربية».

إلى جانب ذلك، يُتوقع أن يؤدي تدفق الاستثمارات السعودية نحو الصناعات الدفاعية الباكستانية والتركية إلى نشوء محور جديد يتحدى الاحتكار الغربي لتوريد السلاح، ويدعم في الوقت ذاته استقلال القرار العسكري العربي.

فقدان الثقة في الحماية الأميركية

الضربة الإسرائيلية على قطر، رغم وجود قاعدة العديد الأميركية، تمثل لحظة فارقة في تراجع الثقة العربية بالحماية الأميركية. الدبلوماسي الأميركي السابق مارتن إنديك (معهد بروكنغز) صرّح بأن «المظلة الأمنية الأميركية في الخليج باتت مثقوبة، والدول العربية لم تعد مطمئنة إلى أن واشنطن ستتصدى لأي تهديد يطالها بشكل مباشر».

في المقابل، يشير باحثون أوروبيون مثل جوليان بارنز-داسي (المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية – ECFR) إلى أن هذا الانسحاب النفسي من المظلة الأميركية يدفع دول الخليج إلى إعادة بناء معادلات أمنية متعددة الأطراف تشمل الصين وروسيا وتركيا، مع الحفاظ على خطوط اتصال حذرة مع واشنطن.

جذور تاريخية: خطط إسرائيلية للسيطرة على النفط

هذا التحول الراهن لا يمكن فصله عن الخلفية التاريخية. دراسة لمركز جافي الإسرائيلي كشفت أن إسرائيل طالبت واشنطن عام 1975، عقب الحظر النفطي العربي، باحتلال مباشر لحقول النفط في الخليج العربي. ورغم أن واشنطن لم تستجب آنذاك، إلا أن هذه الرؤية الاستراتيجية تكشف كيف ظلّ النفط العربي في قلب معادلات القوة بين الغرب والمنطقة.

الصحفي البريطاني المخضرم باتريك كوبرن (صحيفة الإندبندنت) علّق على ذلك بالقول إن «الفكرة التي ترددت في السبعينيات بأن النفط العربي يجب أن يُؤمَّن بالقوة العسكرية لم تختفِ، بل عادت لتظهر اليوم في شكل ضغوط سياسية وأمنية تدفع الدول العربية إلى البحث عن بدائل استراتيجية أكثر موثوقية».

أبعاد جيوسياسية أبعد من الخليج

التحولات الجارية لا تقتصر على الأمن الخليجي فحسب، بل تحمل أبعادًا جيوسياسية أوسع. فالصين ترى في هذه التوجهات فرصة لتعزيز مشروع «الحزام والطريق» وربط أمن الطاقة بوجودها العسكري المتنامي. روسيا بدورها تنظر إلى العراق كجبهة إضافية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، في وقت تسعى فيه واشنطن لتقليص التزاماتها العسكرية عالميًا.

الولايات المتحدة، من جانبها، تبدو عالقة بين أولويات متناقضة: فهي تسعى لاحتواء الصين في آسيا، لكنها تخسر تدريجيًا نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط. محللون في مجلة «فورين أفيرز» يرون أن «الانسحاب التدريجي الأميركي يترك فراغًا خطيرًا في الخليج، فراغًا تملؤه قوى غير غربية تسعى لإعادة رسم الخريطة الأمنية».

نحو نظام أمني متعدد الأقطاب

ما يجري اليوم في الخليج يمكن وصفه بأنه بداية لنظام أمني جديد، متعدد الأقطاب، يبتعد عن الاعتماد على قوة واحدة. السعودية وقطر والعراق لم تعلن قطيعة مع واشنطن، لكنها أوضحت بجلاء أنها لم تعد ترى في الولايات المتحدة الضامن الأوحد لأمنها.

هذا التحول سيُعيد رسم العلاقات بين العالم العربي والغرب، ويمنح دول المنطقة مساحة أكبر من الاستقلالية، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام تنافس عالمي محتدم على الخليج كمركز للطاقة والتجارة. وكما كتب المحلل الأميركي ستيفن والت (مجلة فورين بوليسي): «العالم العربي لم يعد ساحة نفوذ أميركية، بل ساحة تنافس دولي، حيث تسعى كل قوة لإثبات حضورها وتأمين مصالحها».

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى