هل تقترب ليبيا من لحظة الحسم؟ سباق محفوف بالمخاطر بين السلام والانقسام الأبدي

في بلدٍ أنهكته الانقسامات وحروب الوكالة، يطلّ اسم عبد الكريم مكيغ كمرشح لرئاسة الوزراء في ليبيا، مثيرًا جدلًا واسعًا بين المتابعين للشأن الليبي. الرجل الذي لمع اسمه عالميًا مطلع الألفية بعدما قاد عملية تفكيك البرنامج النووي الليبي، يعود اليوم إلى المشهد وسط تساؤلات: هل يستطيع عالم الذرة السابق أن يتحول إلى رجل الدولة القادر على إنقاذ وطنه من عقد كامل من الفوضى؟

ليبيا بعد القذافي: دولة تبحث عن نفسها

منذ سقوط معمر القذافي عام 2011، لم تعرف ليبيا طريقًا للاستقرار. تحولت مؤسسات الدولة إلى أنقاض، وغرقت البلاد في انقسام دموي:

  • في الشرق، يفرض المشير خليفة حفتر قبضته العسكرية مدعومًا من موسكو، القاهرة وأبوظبي.
  • في الغرب، تحكم سلطات طرابلس تحت حماية تركية مباشرة.
  • أوروبا، بدورها، لا ترى في ليبيا سوى “بوابة للهجرة” عبر المتوسط.

هذه الانقسامات لم تدمر الاقتصاد فحسب، بل مزقت الهوية الوطنية، لتجعل أي تسوية سياسية أقرب إلى المستحيل.

عبد الكريم مكيغ: “رجل العلم” في زمن الميليشيات

ما يميّز مكيغ عن بقية السياسيين الليبيين أنه لم يأت من خلفية الميليشيات ولا من إرث العائلات التقليدية، بل من المختبرات الأكاديمية والدبلوماسية الدولية.
في أوائل الألفية، كان في قلب المفاوضات المعقدة مع واشنطن ولندن بشأن الملف النووي. بفضل مهاراته التفاوضية وخبرته العلمية، تحوّلت ليبيا في ذلك الوقت إلى قصة نجاح نادرة في مجال منع الانتشار النووي.

هذه الخلفية جعلت مكيغ شخصية ذات رصيد من الثقة في الغرب، على عكس معظم الوجوه السياسية الليبية التي ارتبطت بالفساد أو التبعية للخارج.

واشنطن تراقب.. لكن الطريق محفوف بالألغام

زيارة مكيغ الأخيرة إلى واشنطن ولقاؤه مع مسؤولين بارزين في الخارجية والكونغرس لم تمر مرور الكرام. بالنسبة للعديد من الدبلوماسيين الغربيين، يشكل الرجل فرصة لإعادة صياغة اللعبة السياسية في ليبيا بعيدًا عن هيمنة الميليشيات.

لكن الدعم الأمريكي، مهما بلغ وزنه، لا يكفي وحده. فالتحديات الداخلية هائلة:

  • حفتر يسيطر على الشرق وحقول النفط الأساسية.
  • الميليشيات في طرابلس تملك سلاحًا قادرًا على إسقاط أي حكومة.
  • الاقتصاد المنهار يترك ملايين الليبيين رهائن لصراعات النخب.
  • الانقسام الاجتماعي بين قبائل الشرق والغرب والجنوب يعمق الجراح.

ليبيا.. ساحة تنافس دولي

الصراع الليبي يتجاوز حدوده الداخلية:

  • روسيا ترسّخ وجودها عبر قوات “فاغنر”.
  • تركيا تفرض معادلتها العسكرية والسياسية في الغرب.
  • مصر والإمارات تدعمان حفتر كحائط صد ضد الإسلاميين.
  • أوروبا تنظر إلى ليبيا بعدسة الهجرة غير الشرعية.

وسط هذا التشابك، تبدو مهمة مكيغ وكأنها محاولة للسير فوق حقل ألغام سياسي، حيث أي خطوة خاطئة قد تنفجر في وجهه.

هل ينجح “رجل النووي” في تفكيك ألغام ليبيا؟

ما يمنح مكيغ فرصة استثنائية هو كونه شخصية لا تُحسب بالكامل على أي محور، ورصيده الدولي الذي قد يتحول إلى رافعة سياسية واقتصادية لصالحه. لكن النجاح يتوقف على:

  • بناء تحالف داخلي واسع يضم الشرق والغرب والجنوب.
  • وضع خطة شفافة لإدارة عائدات النفط.
  • استيعاب الميليشيات عبر الدمج لا المواجهة.
  • إطلاق مصالحة وطنية حقيقية.

الخاتمة: بين الوهم والأمل

السؤال الأكبر: هل يستطيع عبد الكريم مكيغ أن يكسر دائرة الدم التي التهمت ليبيا منذ 2011؟

الجواب غير محسوم. لكنه يطرح نموذجًا مغايرًا: رجل علم ودبلوماسية بدلًا من رجل سلاح وميليشيا. وإذا ما نجح في تحويل هذه الميزة إلى مشروع وطني جامع، فقد يكتب صفحة جديدة في تاريخ ليبيا الممزقة. أما إذا فشل، فلن يكون سوى حلقة أخرى في سلسلة الإحباطات التي لاحقت الليبيين لعقد كامل.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى