الإمارات ودول عربية تشيد بحماس: ماذا وراء التحوّل الإقليمي المفاجئ؟

في مشهد دبلوماسي غير مألوف يعكس تبدّل موازين الخطاب العربي حيال ملف غزة، أصدرت وزارات خارجية الإمارات، والأردن، وإندونيسيا، وباكستان، وتركيا، والسعودية، وقطر، ومصر، اليوم الأحد، بيانًا مشتركًا رحّبت فيه بخطوات حركة حماس تجاه المقترح الأميركي الذي طرحه الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، تمهيدًا لمفاوضات شاملة حول آليات التنفيذ.

دعم عربي غير مسبوق لمقترح أميركي

البيان المشترك، الذي حظي باهتمام غير عادي في الأوساط السياسية، رحّب بدعوة ترامب لإسرائيل إلى وقف القصف فورًا والبدء بتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، مشيدًا بـ“التزام الإدارة الأمريكية بإرساء السلام في الشرق الأوسط”.

واعتبر الوزراء أن التطورات الأخيرة “تمثل فرصة تاريخية لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار، ولبدء مسار إنساني وسياسي جديد يُعيد الأمل لسكان غزة”.

وفي خطوة حملت دلالات سياسية عميقة، رحّب الوزراء بإعلان حركة حماس استعدادها لتسليم إدارة القطاع إلى لجنة فلسطينية انتقالية من التكنوقراط المستقلين، معتبرين أن ذلك يفتح الباب أمام إعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، وتهيئة الأرضية لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد أكثر من 17 عامًا من الانقسام.

تحوّل في المزاج الإقليمي

من زاوية التحليل، يمثل هذا البيان تحولًا جذريًا في المزاج العربي الرسمي، إذ يجمع بين دول لطالما تباينت مواقفها تجاه حماس، لتقف اليوم خلف مقاربة واحدة تدعو إلى الحوار والتهدئة وإعادة الإعمار.

هذا الإجماع العربي – الإسلامي لم يأتِ من فراغ؛ بل يعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة استمرار الحرب على الاستقرار الإقليمي، وللأثمان السياسية والإنسانية التي يدفعها الجميع إذا بقيت غزة ساحة مفتوحة للصراع.

ويرى مراقبون أن التحرك العربي جاء في لحظة حساسة، إذ تحاول دول المنطقة إعادة التموضع بين النفوذ الأميركي المتجدد في عهد ترامب والنفوذ الإيراني المتنامي في الساحة الفلسطينية.

ففي الوقت الذي يمد فيه ترامب يده عبر مقترحٍ للسلام، تسعى حماس — تحت وطأة الضغوط الإنسانية والواقع الميداني — إلى فتح نافذة للتنفس السياسي، ولو من خلال بوابة واشنطن.

حسابات معقدة وتوازنات دقيقة

على المستوى الجيوسياسي، تسعى العواصم العربية الكبرى، خصوصًا الرياض وأبوظبي والدوحة والقاهرة، إلى إدارة هذا التحول بذكاء دبلوماسي يضمن لها دورًا محوريًا في صياغة المرحلة الانتقالية في غزة.

فإلى جانب المساعدات الإنسانية المتوقعة، تعمل هذه الدول على بلورة تصور مشترك لمرحلة “ما بعد الحرب”، يتضمن ترتيبات أمنية فلسطينية – عربية بإشراف دولي، تُمهّد لاحقًا لمسار سياسي جديد على أساس حلّ الدولتين.

ورغم الترحيب بالمقترح الأميركي، تبقى الشكوك قائمة حول استعداد إسرائيل للالتزام الكامل بالاتفاق، خاصة في ظل الانقسامات داخل حكومتها وتنامي الضغوط الداخلية. ومع ذلك، يرى المراقبون أن توحيد الموقف العربي بهذا الشكل يمنح المبادرة زخمًا غير مسبوق ويُضيق هامش المناورة أمام تل أبيب.

ما وراء السطور: قراءة في اللحظة الإقليمية

ما يجري اليوم ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو تحول في فلسفة التعامل العربي مع غزة. فبعد سنوات من التباعد والبرود، اختارت العواصم العربية أن تعود إلى مركز الحدث الفلسطيني، ليس من باب الصدام أو الانحياز، بل عبر إعادة تعريف دورها كوسيطٍ ضامنٍ للاستقرار.

هذا التحول يعيد للأذهان حقبة ما بعد “أوسلو”، حين كان العالم العربي لاعبًا أساسيًا في صناعة التوازنات الفلسطينية الداخلية، قبل أن تترك فراغاتها لملئها محاور متصارعة.

هل نحن أمام معادلة جديدة للسلام؟

يقول محللون إن التحرك العربي المشترك إشارة إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى، فحماس التي كانت تُوصم لعقود بـ“الانغلاق السياسي” باتت اليوم تُرسل إشارات انفتاح، والعواصم العربية التي كانت تتجنب دعمها باتت ترى فيها شريكًا سياسيًا لا يمكن تجاهله.

أما ترامب، فيبدو أنه يحاول من خلال هذا الملف استعادة الدور الأميركي كوسيطٍ أوحد في الشرق الأوسط، مستخدمًا لغة “الصفقات” التي يتقنها، لكن هذه المرة على خلفية واقع إنساني قاسٍ وحسابات إقليمية معقدة.

من هنا، لا يُستبعد أن تكون هذه المبادرة بداية مسار جديد، عنوانه “البراغماتية بدل الاصطفاف”، وهدفه “إعادة هندسة الملف الفلسطيني ضمن رؤية شاملة توازن بين الأمن والسيادة والواقعية السياسية”.

لندن – اليوم ميديا

web master

Recent Posts

«حنظلة» تخترق إسرائيل وتكشف أسرار 17 عالماً عسكرياً

في تصعيد إلكتروني جديد ضد إسرائيل، أعلنت مجموعة القرصنة الإيرانية المعروفة باسم «حنظلة» (Hanzala Hackers)…

ساعة واحدة ago

الإيبوبروفين.. دواء الألم الذي قد يحارب السرطان

قد لا يقتصر دور الإيبوبروفين على تسكين الصداع وآلام العضلات والدورة الشهرية، بل قد يمتد…

4 ساعات ago

Redmagic 11 Pro.. أول هاتف ألعاب بتبريد سائل ينبض بالحياة

أطلقت شركة ريد ماجيك أحدث هواتفها الذكية الموجهة للألعاب في الصين، مزودًا بنظام تبريد سائل…

4 ساعات ago

حماس لأميركا: لا نخترق الهدنة.. بل نحرسها من الفوضى

في تصعيد جديد بين حماس وواشنطن، ردّت الحركة على بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي زعم…

5 ساعات ago

صوت القنابل يعلو الهدنة.. ورفح على فوهة الغضب

تصاعدت التوترات في غزة مجددًا بعد أن شنت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات على رفح وجباليا،…

6 ساعات ago