اليمن في قلب الصراع: جبهة حاسمة تعيد رسم موازين القوة الإقليمية

تتحول اليمن بسرعة إلى محور استراتيجي في صراع السيطرة الإقليمي بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، ومحور المقاومة بقيادة صنعاء من جهة أخرى.

فمع تسارع التطبيع العربي وسعي تل أبيب لتحييد التهديد اليمني، تؤكد صنعاء دورها المركزي في إعادة تشكيل توازن القوى في البحر الأحمر.

البحر الأحمر.. ساحة مواجهة جديدة

نجحت القوات المسلحة اليمنية المتحالفة مع أنصار الله في تحويل البحر الأحمر إلى نقطة ضغط استراتيجي ضد إسرائيل وواشنطن، موسّعة نطاق عملياتها لتشمل البحر الأبيض المتوسط وتعطيل المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وتشير مصادر ميدانية إلى أن فشل واشنطن في تفكيك جبهة الدعم اليمنية دفعها إلى توقيع اتفاق مؤقت مع صنعاء لوقف الهجمات على الأسطول الأمريكي، مع استمرار الحصار البحري للسفن الإسرائيلية والهجمات داخل الأراضي المحتلة.

اليمن مسرح حاسم في إعادة رسم خرائط القوة

بعد هذا الفشل الأمريكي، تتبنى الأطراف المعنية استراتيجية جديدة لاختراق الجبهة اليمنية، بأبعاد عسكرية واستخباراتية عميقة.

وتؤكد تقارير ميدانية أن إسرائيل تعمل بمساعدة واشنطن على تطبيع العلاقات مع اليمن الجنوبي كغطاء للتسلل السياسي والعسكري.

وتشير مصادر إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي قدّم عروضًا علنية لتل أبيب مقابل دعم الانفصال الجنوبي، بينما تورطت أبوظبي في اغتيالات داخل صنعاء شملت شخصيات رفيعة مثل رئيس الوزراء أحمد الرحاوي ومحاولة اغتيال رئيس الأركان محمد الغماري.

اختراقات إسرائيلية إماراتية في الجنوب اليمني

أصبحت الإمارات لاعبًا رئيسيًا في الجنوب اليمني بين عامي 2023 و2025، مع بناء قواعد جوية ومنصات استخباراتية في جزر شبوة وسقطرى وزقر وعبد الكوري.

تؤكد صور الأقمار الصناعية أن هذه القواعد تُستخدم لمراقبة القوات اليمنية والسيطرة على التحركات البحرية بالتنسيق مع ضباط إسرائيليين عبر منصة “الكرة البلورية”، وهي شبكة تبادل استخباراتية مشتركة بين الإمارات وإسرائيل.

الجزر اليمنية تتحول إلى منصات مراقبة

في قلب مضيق باب المندب، تبرز جزر مايون وزقر كمواقع رئيسية للنفوذ الإسرائيلي الإماراتي.

فقد أعادت الإمارات تهيئة مدارج الطيران ونصبت أنظمة رادار وبطاريات باتريوت وطائرات بدون طيار في جزيرة مايون، التي أصبحت مركزًا عسكريًا دائمًا لتحركات الأسطول البحري.

كما تم تحويل جزيرة زقر إلى قاعدة عمليات مشتركة أمريكية-إماراتية، فيما كشفت صور الأقمار الصناعية في سبتمبر 2025 توسّع المرافق العسكرية والاتصالات المتقدمة في الجزيرة.

سقطرى وشبوة.. عقد السيطرة على الممرات البحرية

يمثل أرخبيل سقطرى بوابة استراتيجية للتحكم في بحر العرب وخليج عدن والقرن الأفريقي، حيث استخدمت الإمارات الهلال الأحمر الإماراتي كغطاء لبناء مراكز استخبارات ومواقع احتجاز.

أما محافظة شبوة الغنية بالنفط فقد تحولت إلى مركز لوجستي للطائرات بدون طيار ومراكز تدريب للفصائل المحلية المتحالفة مع التحالف.
وتفيد تقارير بأن فرقًا أمريكية وإسرائيلية مشتركة تزور الخطوط الأمامية بانتظام لتقديم الدعم المالي والتسليحي وتقييم جاهزية الفصائل لفتح جبهة داخلية ضد صنعاء.

الرياض تدخل على خط المواجهة

في موازاة التحركات الإماراتية، تسعى السعودية إلى توسيع نفوذها في محافظة المهرة عبر بناء قواعد ونشر ميليشيات محلية تحت شعار “مكافحة التهريب”.

وفي 16 سبتمبر 2025، شاركت الرياض في قمة أمنية بحرية مع المملكة المتحدة كشفت عن تحالف جديد لـ”حماية الملاحة في البحر الأحمر” بمشاركة أكثر من 35 دولة، من بينها الولايات المتحدة.

تهدف هذه الجبهة عمليًا إلى تفكيك الحصار اليمني على السفن الإسرائيلية، وقد تعهدت السعودية بتخصيص 4 ملايين دولار لتسليح خفر السواحل اليمني.

موقف صنعاء وتحذير الحوثي

ردّ زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي بتحذير شديد اللهجة موجّه إلى السعودية قائلاً: “لن تكونوا قادرين على حماية سفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، ومن يتورط مع إسرائيل سيُعامل كعدو مباشر.”

وأكد الحوثي أن أي تورط سعودي أو إماراتي في حماية المصالح الإسرائيلية سيقابل برد مماثل في إطار “الموقف ضد العدو الصهيوني”.

اليمن في قلب الجغرافيا السياسية الجديدة

أدت حرب إسرائيل على غزة إلى رفع اليمن إلى محور رئيسي في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

فقد أصبح محور المقاومة يمتد من بلاد الشام إلى بحر العرب، بينما تراهن أميركا على التطبيع والتخريب الداخلي لتقويض صنعاء.

لكن المؤشرات تُظهر أن قدرات الردع اليمنية تتصاعد، وأن المعركة في باب المندب لم تنته بعد، بل تتجه إلى مرحلة أكثر حساسية في معادلة الأمن الإقليمي العالمي.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى