الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصعد طائرة الرئاسة في نيويورك - رويترز
اختارت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) أن تضع بعضًا من أثقل أوراقها في يد رجل لطالما وصمته بالعنصرية والفوضى: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي خطوة لم يتنبأ بها أكثر المحللين جرأة، سلّمت الحركة جزءًا من نفوذها الأكبر — رهائنها الإسرائيليين — إلى اتفاق سلام مؤقت تقوده واشنطن، على أمل أن تكون هذه المقامرة طريقًا إلى نهاية الحرب المستعصية في غزة، بحسب رويترز.
فمن القاهرة إلى شرم الشيخ، ومن البيت الأبيض إلى الدوحة، تدور المفاوضات كرقصة متوترة على خيط مشدود بين الشك والرجاء، بين براغماتية المصالح ونبض الميدان المحاصر.
تقول مصادر فلسطينية إن نقطة التحوّل بدأت قبل أسابيع، عندما أجرى ترامب اتصالًا استثنائيًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد لقائه في البيت الأبيض في سبتمبر.
طلب منه خلال المكالمة — التي أثارت ضجة إعلامية في حينها — أن يعتذر شخصيًا لرئيس الوزراء القطري عن غارة إسرائيلية على مجمع سكني في الدوحة يضم قادة سياسيين من حماس، من بينهم خليل الحية، كبير مفاوضي الحركة.
تلك اللحظة، بحسب المسؤولين، منحت حماس شعورًا نادرًا بأن الرئيس الأمريكي قد يمتلك فعلًا القدرة، وربما الرغبة، في ليّ ذراع إسرائيل من أجل صفقة سلام حتى لو لم تنل رضا نتنياهو الكامل.
في تناقض صارخ مع وصفها السابق له بأنه “وصفة للفوضى”، وجدت حماس نفسها تراهن على رجلٍ لطالما هاجم الفلسطينيين في خطاباته، واقترح تحويل غزة إلى “منتجع شاطئي أمريكي”.
لكن براغماتية الحرب تغيّر المفاهيم، والدماء التي سالت جعلت حتى الخصوم يبحثون عن مخرج، ولو عبر أكثر الأبواب غرابة.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ يوم الجمعة، بدا واضحًا أن الحركة اختارت منح ترامب ثقتها — أو على الأقل فرصة ليثبت أنه جادّ هذه المرة.
وفقًا لمسؤولين من حماس تحدّثوا إلى رويترز، لم تحصل الحركة على أي ضمانات مكتوبة، بل اكتفت بتأكيدات شفهية من واشنطن والوسطاء — قطر ومصر وتركيا — بأن ترامب لن يسمح لإسرائيل باستئناف حملتها العسكرية بعد الإفراج عن الرهائن.
“ندرك أننا نخاطر”، قال أحد قيادات حماس، “لكننا نعتقد أن ترامب يريد هذه الصفقة لنفسه بقدر ما نريدها نحن لغزة”.
إنها مجازفة سياسية بكل المقاييس: فإطلاق الرهائن دون انسحابٍ كامل يجعل الحركة عارية من أوراقها التفاوضية، ويمنح إسرائيل نافذة لإعادة القتال متى شاءت. ومع ذلك، تصرّ حماس على أن ما لم يُكتب على الورق قد يُفرض بالواقع إذا أراد ترامب ذلك حقًا.
خلال المفاوضات الماراثونية في شرم الشيخ، تقول مصادر أمريكية إن ترامب اتصل شخصيًا ثلاث مرات لمتابعة سير المحادثات، بينما تنقّل صهره جاريد كوشنر والمبعوث ستيف ويتكوف بين الوفود الإسرائيلية والقطرية، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان سنوات وساطاته الأولى في الشرق الأوسط.
ويؤكد مسؤولون أن حضور رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين، عقب لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ترامب، أعطى المحادثات بعدًا إقليميًا جديدًا.
فخلف الجدران الزجاجية لمركز المؤتمرات، كانت تُنسج خيوط صفقةٍ تتجاوز غزة نفسها — صفقة تُعيد ترتيب العلاقة بين إسرائيل والعالم العربي، وتمنح ترامب موقع “صانع السلام غير المتوقع”.
تقول مصادر مطلعة إن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي ليس سوى المرحلة الأولى من خطةٍ أوسع مكوّنة من عشرين بندًا أعلن عنها ترامب أواخر سبتمبر، وتشمل مراحل لإعادة إعمار غزة ونزع سلاح حماس تدريجيًا تحت إشرافٍ إقليمي.
لكن غموض التفاصيل يثير شكوكًا عميقة: متى ستنسحب القوات الإسرائيلية من النصف الجنوبي للقطاع؟ من سيشرف على الأمن؟ وما مصير آلاف المقاتلين الذين يرفضون تسليم سلاحهم؟
أسئلةٌ مؤجّلة إلى مرحلةٍ لاحقة — إن جاءت.
تقول مصادر فلسطينية إن وسطاء من قطر ومصر وتركيا نجحوا في إقناع حماس بأن استمرار احتجاز الرهائن صار عبئًا أكثر منه ورقة ضغط.
“بقاء الرهائن في غزة كان يمنح إسرائيل ذريعةً للقتال إلى ما لا نهاية”، قال أحد المسؤولين. “إطلاقهم قد يسحب من نتنياهو شرعية الحرب نفسها”.
ورغم هذا المنطق، يدرك قادة الحركة أن التجربة السابقة — اتفاق يناير الذي انهار بعد أسابيع — لا تزال ماثلةً في الأذهان. يومها، أمر ترامب حماس بإطلاق جميع الرهائن دفعةً واحدة، مهددًا بـ”فتح أبواب الجحيم”، فانهار الاتفاق وغرقت غزة في جولةٍ جديدة من الدمار والمجاعة.
يتوقّع أن يبدأ ترامب جولة شرق أوسطية يوم الأحد تشمل القاهرة والقدس وربما الدوحة، في زيارةٍ توصف بأنها “اختبارٌ للسلام قبل أن يُولد”.
وفي تصريحاتٍ من البيت الأبيض، قال الرئيس الأمريكي إن “الرهائن سيعودون يوم الاثنين”، مضيفًا أن 28 جثة أيضًا ستُعاد إلى إسرائيل.
وبينما تستعد العواصم لزيارة الرئيس الذي يقلب الموازين كلما ظهر، تتساءل العيون في غزة وواشنطن وتل أبيب:
هل تكون هذه المرة مختلفة؟ أم أن مقامرة حماس الأخيرة ستنقلب عليها كما حدث من قبل؟
في عالم السياسة، الثقة عملةٌ نادرة، خصوصًا في حروبٍ تُدار بالدم والشكوك.
لكن في خضمّ حربٍ أنهكت الجميع، يبدو أن حماس اختارت أن تراهن على رجلٍ لطالما خالف كل التوقعات — من صفقات الخليج إلى حرب إيران إلى الغارة على قطر.
ترامب، بنزعته الاستعراضية وجرأته التي تقترب من التهوّر، يقف اليوم على حافة صناعة تاريخٍ جديد — أو إعادة إنتاج الفوضى ذاتها.
وفي الأثناء، تبقى غزة معلّقةً بين وعود السلام وذكريات الحصار، تنتظر الإثنين القادم كما ينتظر الغريق قاربًا لا يعرف إن كان سيحمله إلى الشاطئ… أم إلى الأعماق.
لندن – اليوم ميديا
يبدو أن مستقبل قطاع غزة محصور في ثلاثة سيناريوهات محتملة، تتشكل وفق موازين القوى التي…
تعرض متحف اللوفر في باريس، أحد أشهر المتاحف في العالم، صباح الأحد لعملية سرقة جريئة،…
أعربت مجموعات الأعمال الأمريكية عن قلقها المتزايد من أن الإغلاق الحكومي المستمر يترك آثارًا سلبية…
في مشهدٍ يليق بعصرٍ تتقاطع فيه القيم مع التقنية، ارتفعت من دبي مساء الأحد كلماتٌ…
في تصعيد إلكتروني جديد ضد إسرائيل، أعلنت مجموعة القرصنة الإيرانية المعروفة باسم «حنظلة» (Hanzala Hackers)…
قد لا يقتصر دور الإيبوبروفين على تسكين الصداع وآلام العضلات والدورة الشهرية، بل قد يمتد…