سلطان القاسمي.. أمير الثقافة الذي أعاد للحكمة عرشها

في زمنٍ تراجعت فيه الحروف أمام صخب المصالح، ظل سلطان بن محمد القاسمي يكتب التاريخ بالحكمة، ويُسكن الثقافة في قلب القيادة. من الشارقة، تلك المدينة التي تنام على دفء البحر وتستيقظ على نداء الكتب، أطلق القاسمي مشروعًا للحضارة عنوانه الإنسان، وركيزته المعرفة.
منذ أن تولى الحكم عام 1972، جعل من الثقافة راية، ومن العلم طريقًا، حتى غدت الشارقة منارة عربية تنير دروب الفكر، وتعيد للحكمة عرشها المفقود.
القيادة الحكيمة: عقل متفتح ورؤية مستنيرة
يبرز سلطان بن محمد القاسمي كرمزٍ للقيادة المتزنة التي تمزج بين حزم الحكم ورهافة الفكر. سعى منذ بداياته إلى تحويل الشارقة إلى منارةٍ للعلم والفنون، ومركزٍ يجمع المثقفين والباحثين والفنانين من كل أنحاء العالم العربي.
يؤمن القاسمي بأن الإنسان هو جوهر التنمية، وأن الاستثمار في الثقافة والتعليم هو حجر الأساس لأي مجتمع متقدم، ما أكسب الشارقة مكانة عالمية كـ«عاصمة الثقافة العربية» و«مدينة الكتاب العالمية».
النهضة الثقافية والتعليمية في الشارقة: من المكتبات إلى المسرح
لم يقتصر اهتمام القاسمي على السياسة والإدارة، بل امتد إلى بناء مؤسسات ثقافية وتعليمية راسخة، مثل جامعة الشارقة ومؤسسة الشارقة للكتاب، إضافة إلى شبكة من المكتبات والمتاحف التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة.
كما دعم الفنون البصرية والمسرحية وأطلق مهرجانات دولية للفنون والمسرح، مما أرسى بيئة فكرية حرة تشجع على الإبداع والابتكار، وجعل الشارقة جسرًا نابضًا بين التراث العربي وروح الحداثة العالمية.
الشارقة في المشهد العالمي: مبادرات البرتغال نموذجًا
في عام 2025، افتتح القاسمي مركز الدراسات العربية في جامعة كويمبرا بالبرتغال، بالتزامن مع إطلاق منصة رقمية لمكتبة جوانينا التاريخية.
هذا الحدث حظي بتغطية واسعة في الإعلام العربي والدولي، مؤكدًا حرصه على توثيق التراث العربي وتعزيز جسور التواصل الثقافي بين الشرق والغرب.
القاسمي المثقف: حاكم بالفكر قبل السلطة
لا يُعرف القاسمي كسياسي فحسب، بل كمثقف ومؤرخ وكاتب يخطّ المعرفة بعمق ورؤية. القراءة والبحث جزء من يومه، والثقافة لديه ليست ترفًا بل ضرورة لبناء الإنسان والمجتمع.
يجمع بين سلطة القرار ونبل الفكر، ويتخذ قراراته برويةٍ وحكمةٍ تستشرف المستقبل، ما يجعله نموذجًا عربيًا نادرًا يمزج بين القيادة والعلم في تناغم فريد.
إسهاماته العالمية: منظور الخبراء الغربيين
يرى باحثون غربيون في الدراسات الثقافية أن القاسمي يمثل نموذجًا متفرّدًا للقائد المثقف الذي يجمع بين السلطة والوعي المعرفي. ويؤكد هؤلاء أن اهتمامه بالثقافة والتعليم والفنون جعل الشارقة منارة للمعرفة في العالم العربي، ومركزًا للحوار بين الثقافات.
كما يشيرون إلى أن دعمه للمهرجانات الأدبية والفنية والمكتبات الكبرى يُجسد سعيه لحماية التراث العربي وتفعيله في سياق عالمي حديث.
القيادة الإنسانية والسياسية: التنمية بمعناها الأوسع
بعيدًا عن الثقافة، يُعرف القاسمي بقدرته على الموازنة بين الإنسانية والسياسة، إذ يولي اهتمامًا كبيرًا لمواطنيه، ويسعى لتأمين حياة كريمة لهم، مع التركيز على التعليم والصحة والبيئة.
هذه الرؤية الشاملة جعلت الشارقة واحدة من أكثر الإمارات استقرارًا وتقدمًا، حيث تمتزج التنمية الاقتصادية بالرفاه الاجتماعي والثقافي.
إرث مستدام ومستقبل واعد: الشارقة نموذجًا حضاريًا
تبقى إرادة القاسمي في نشر الثقافة والتعليم والفنون حجر الزاوية في مستقبل الشارقة، التي تحولت إلى نموذج عربي يُحتذى به في التنمية البشرية والثقافية.
رؤيته تتجاوز الحدود المحلية، لتقدم للعالم نموذجًا في الجمع بين الهوية والحداثة، وبين السلطة والمعرفة، وبين التنمية المادية والتقدم الثقافي.
قصة القاسمي هي حكاية حاكم مثقف، أعاد تعريف القيادة بوصفها رسالة فكر قبل أن تكون سلطة حكم، فاستحقت الشارقة أن تُعرف بـ«مدينة الحكمة العربية».
دبي – محمد فال معاوية