ابن بيّه يحذر: الذكاء الاصطناعي يهدد إنسانيتنا.. ووقت الضمير العالمي ينفد

في مشهدٍ يليق بعصرٍ تتقاطع فيه القيم مع التقنية، ارتفعت من دبي مساء الأحد كلماتٌ مشبعة بالحكمة على لسان عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ورئيس منتدى أبوظبي للسِّلم، الذي دعا إلى تأسيس إطارٍ أخلاقيٍ عالميٍ للذكاء الاصطناعي، يجمع بين العلماء والمفكرين وصنّاع القرار، لضمان أن تظل التكنولوجيا في خدمة الإنسان لا على حسابه.
جاءت الدعوة خلال ندوة «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» التي نظمها المنتدى بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) ضمن فعالية «عشاء الإيمان والتكنولوجيا» بدبي، بحضور نخبةٍ من القادة الدينيين وخبراء الذكاء الاصطناعي من مختلف دول العالم، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
«الذكاء بلا ضمير».. الخطر الجديد
أوضح ابن بيّه أن التحدي في هذا العصر لا يكمن في بلوغ القمم التقنية، بل في ضمان أن تبقى تلك القمم مأهولة بالضمير، مؤكداً أن التقدّم الحقيقي هو ما يُبقي الإنسان مركزه ومحوره. وقال إن ما يميز الإنسان ليس المعرفة بحد ذاتها، بل الوعي بغاياتها وتسخيرها للخير العام.
وحذّر من أن أي تطور علمي أو تقني يخلو من بوصلةٍ أخلاقيةٍ واضحة، يمكن أن يتحوّل من أداةٍ للبناء إلى وسيلةٍ للهدم، داعياً إلى بناء منظومةٍ قيميةٍ عالمية تستند إلى المبادئ الإنسانية التي أرستها الأديان والفلسفات الكبرى — في مقدمتها الرحمة، والإنصاف، والحكمة، والصدق.
«الميزان» بين التقنية والإنسان
استشهد ابن بيّه بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ موضحاً أن «الميزان» هو العقل الرشيد والضمير الأخلاقي، وهما الركيزتان اللتان يجب أن تُوجّها مسار الذكاء الاصطناعي ليكون أداةً للعدل والخير العام، لا سلاحاً بيد اللامسؤولية.
الإمارات.. رؤية أخلاقية للمستقبل
ونوّه معاليه بالرؤية الاستباقية لدولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، التي جعلت من التكنولوجيا جسراً نحو السلام والتنمية المستدامة، مؤكداً أن موقف الإمارات في الأمم المتحدة يعكس التزاماً أخلاقياً عالمياً بالاستخدام المسؤول للتقنيات الحديثة، احتراماً للكرامة الإنسانية، وترسيخاً لثقافة السلام.
من «نداء روما» إلى دبي.. مسارٌ متصل
ذكّر ابن بيّه بأن منتدى أبوظبي للسِّلم كان من أوائل المؤسسات التي تنبّهت إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي غير المنضبط، مشيراً إلى مشاركته في نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي عام 2020، وتوقيعه اتفاقيات تعاون مع أكاديمية الحياة في الفاتيكان ومعهد فراداي بجامعة كامبريدج، في إطار الربط بين القيم الدينية والعلمية لتوجيه الابتكار نحو الخير العام.
«ذكاءٌ بضمير» لعالمٍ أكثر رحمة
وفي ختام الندوة، دعا ابن بيّه إلى تحالف عالمي عابر للحدود يضم العلماء وصنّاع السياسات وقادة الأديان، لتحويل القيم إلى تشريعات والمبادئ إلى ممارسات واقعية، مؤكداً أن المستقبل يحتاج إلى ذكاءٍ بضمير، لا ذكاءٍ بلا روح، حتى يكون الذكاء الاصطناعي قوةً للخير تسهم في بناء عالمٍ أكثر عدلاً ورحمةً وسلاماً.
الندوة شهدت مداخلاتٍ عميقة من شخصيات علمية ودينية مرموقة، من بينها الدكتورة آمنة الشحي، المديرة التنفيذية لمنتدى أبوظبي للسِّلم، وزيشان زافار، مدير برنامج الذكاء الاصطناعي والعلاقات الدولية، والدكتور عمر بن بيّه، مستشار رئيس المنتدى، الذين أثروا النقاش حول دور الأخلاق في صياغة مستقبل التقنية.
لندن – اليوم ميديا