Categories: آراء

“اللَّحْظة الخَليجيّة”.. إلى أين؟

خالد عمر بن ققه

بعيداً عن أيّ نقاش أيديولوجي، أو طرح سياسي، يدور في السَّاحات العربية اليوم؛ يحمل جرأة الصراحة والمجاهرة بالحق دون خوف من بطش السياسة وسيادة” عقليّة القطيع”، أو يتبنَّى تعميم الزَّيف لأجل ابعاد الحقائق، فإن التسليم بإضافة الزمن إلى الجغرافيا، حيث صناعة التاريخ على أرض بعينها سواء أكانت دولة واحدة أو مجموعة من الدول يعدُّ” منطق عصر” بأكمله، رغم التغيرات والتطورات، والمفاجآت، نتيجة أحداث بعينها ذات طابع قَدَرِي أكثر منه بشري.

على الصعيد العَمَلي، تبدو الوقائع والشواهد كاشفة، وعاليّة الصوت، ودالَّة على أننا نشهد ميلاد زمن جديد بالنسبة للبشر المعاصرين، لا ندري إن كان سينتهي بنا إلى رشد أو حالة من الشّر العام كما هو في الحروب الحالية، بحيث تغدو الدول في محليتها أو في بعدها الإقليمي صاحبة دور فاعل على حساب القومي، ومن هنا يأتي تعميم مصطلح” اللّحْظة التاريخية”.

اقرأ أيضا

صراع الأشقاء.. من ينتزع أمين عام جامعة الدول العربية؟ الرياض أم أبوظبي؟

المصطلح السّابق، يَشِي بكسب لعنصر الزمن لجهة الفعل فيه، وهو في الآني والرَّاهن، يشكِّل نوعاً من التميُّز، وينتهي إلى الفرز بين الدول من خلال الدور والفاعلية، وفي منطقتنا العربيّة، يبدو” مَجلِس التَّعَاوُن لِدُوَلِ الْخَلِيْجِ الْعَرَبِيَّة” ـ كما تكشف الأرقام ــ هو الصانع للدور، خاصة في مجال الاقتصاد، وبالتبعية السياسية أيضا، وإن كانت هذه الأخيرة لا تزال محل تصادم وصراع بينها وبين دول” الزّعامة التقليدية” للعالم العربي.

غير أن المعروف؛ الحامل لليقين والبعيد عن الظّن والوهم، أن” اللحظة الخليجية” تمثّل واقعاً وحقيقة معاً، منذ دخولنا القرن الحادي والعشرين، خاصَّة في بداية عقده الثاني، وذلك بعد أن نَجَت دول الخليج العربي من انهيار الجبهات الداخلية على غرار ما حدث في دول عربية أخرى، سواء أكان ذلك بانتفاضات من الدّاخل أو بدعم وتدخل خارجي، بل أنها في حالات كثيرة كانت حاضنة للفارّين من فتن دولهم.

الإقرار بتلك اللحظة، وكذلك الاعتراف بها، ومن ثم القبول بها من طرف دول العالم ـ بغض النظر عن شكل الاعتراف، وكذلك التعاطي معها بالتفاعل الإيجابي أو الحذر السلبي، أو تعطيلها حتَّى لا تصل إلى أهدافها المرجوّة ـ يختلف من ناحية الرؤية على مستوى الدول العربية، خاصة تلك التي تملك تجربة واسعة في قيادة العرب، كما هو الأمر في الماضي القريب، أو الأخرى التي تأمل في قيادتهم الآن، مع أنها لا تحظى بالقبول، وعاجزة عن قيادة شعوبها.

اقرأ أيضا

هل يقود الخليج الجامعة العربية؟.. مرشح إماراتي يقترب من المنصب!

على المستوى العربي، بٌنظر إلى اللحظة الخليجية من ثلاث زوايا، أولها: أنها متفقة شكلا، ومختلفة مضمونا، وهذا يعني أنها لا تعيش لحظة واحدة تخصُّ كتلةً أو تجمّعاً خليجيّاً جامعاً، وإنما هي لحظات متعددة بتعدد دول الخليج وقراراتها السياديّة، وثانيها: أن اللحظة الخليجية، هي نجاح اقتصادي أكثر منه سياسي بحيث لم تحقق فيها دول الخليج أي مكاسب سياسية تذكر، سواء أكانت محلية أو قومية، وثالثها: أنها لحظة صدامية مع المحيط العربي، لأنه لم يتم التسليم بجديتها ومنفعتها، بل ينظر إليها أحيانا على أنها تناقض الزمن العربي الراّهن من جهة، أو أنها تأتي على حساب المصالح القومية من جهة ثانية.

في نظر كثير من المراقبين أن هذه النظرة مُجافية للحقائق، لأن اللحظة الخليجية، هي لحظة عربية، تشقُّ طريقها اليوم نحو تشكيل مواقف عربية عامّة حول جملة من القضايا المصيرية، ليست محصورة في الاقتصاد والسيَّاسة فقط، وإنما تشمل: الإعلام والثقافة والفنون، وغيرها، وفي كل هذه المجالات تلتقي وتتداخل مصالح دول الخليج العربي مع الدول العربية الأخرى.

على خلفيَّة هذا كلّه، لم يعد النقاش الدائر حاليا حول” اللَّحظة الخليجية” يتعلق بشرعية الاعتراف بها، وركوب قطارها، أو حتى اللحاق بها، وإنما يتعلق بسؤال، مفاده: أين تتجه” اللحظة الخليجية” في دوائرها الأربع: الوطنية، والإقليمية، والقومية، والعالمية؟.. أحسب أن إجابة السؤال باديةً في الفعل أكثر منها في الخطاب.

web master

Recent Posts

مستقبل غزة بعد الحرب: ثلاثة سيناريوهات والخطر الأكبر تجدد الصراع

يبدو أن مستقبل قطاع غزة محصور في ثلاثة سيناريوهات محتملة، تتشكل وفق موازين القوى التي…

3 ساعات ago

أسرع سطو في تاريخ اللوفر: 7 دقائق تهز باريس

تعرض متحف اللوفر في باريس، أحد أشهر المتاحف في العالم، صباح الأحد لعملية سرقة جريئة،…

3 ساعات ago

الإغلاق الحكومي الأميركي يهدد الاقتصاد بخسائر لا يمكن تعويضها

أعربت مجموعات الأعمال الأمريكية عن قلقها المتزايد من أن الإغلاق الحكومي المستمر يترك آثارًا سلبية…

6 ساعات ago

ابن بيّه يحذر: الذكاء الاصطناعي يهدد إنسانيتنا.. ووقت الضمير العالمي ينفد

في مشهدٍ يليق بعصرٍ تتقاطع فيه القيم مع التقنية، ارتفعت من دبي مساء الأحد كلماتٌ…

7 ساعات ago

«حنظلة» تخترق إسرائيل وتكشف أسرار 17 عالماً عسكرياً

في تصعيد إلكتروني جديد ضد إسرائيل، أعلنت مجموعة القرصنة الإيرانية المعروفة باسم «حنظلة» (Hanzala Hackers)…

9 ساعات ago

غزة… معضلة البناء والتعمير

زيد بن كمي الصور التي بثّتها قناة «العربية» من غزة هذا الأسبوع بعد أن وضعت…

10 ساعات ago