image

ترامب ونتنياهو

 محمد الكبيسي

في عالم لا يهدأ، وفي شرق أوسط يكتب تاريخه بمداد النار، شهد فجر الجمعة 13 يونيو 2025 لحظة فاصلة. ضربة جوية إسرائيلية دقيقة استهدفت مواقع استراتيجية في قلب البرنامج النووي الإيراني، تزامنت مع انسحاب أميركي جزئي من المنطقة وتحذيرات مبطنة من انفجار وشيك.

وبين صمت واشنطن ودخان طهران، يرتفع سؤال ثقيل: هل كانت هذه الضربة ثمرة تنسيق خفي بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو؟ وهل نحن أمام تحالف غير معلن، يُعيد رسم ملامح الإقليم على وقع الانفجارات والصمت الدولي؟

على مدى الأشهر الماضية، تراجعت الولايات المتحدة تدريجيًا عن الخطوط الأمامية في الشرق الأوسط. خفّضت حضورها العسكري، وأعادت رسم تموضعها السياسي، تاركة مساحة أوسع لحلفائها ليتحركوا بحرية.

هذا الانكماش لم يكن انكفاءً، بل إعادة تموضع ذكي ضمن استراتيجية “التحالف في الظل”، حيث تتقدم إسرائيل إلى الواجهة، مدفوعة بغطاء سياسي غير معلن، وبثقة تليق بمن يعتقد أن الردع وحده يصنع الأمن.

الضربة الإسرائيلية التي أصابت منشآت نطنز وبارتشين بدقة، جاءت في توقيت مثالي من حيث التزامن مع انسحاب وحدات أميركية من قواعد استراتيجية. هذا التزامن لا يمكن قراءته على أنه محض صدفة.

بل يبدو – وفقًا لدوائر تحليل غربية – أنه ثمرة تنسيق مُسبق بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، في مشهد يعكس تحالفًا عميقًا يقوم على تقاسم الأدوار: واشنطن تمهد، وتل أبيب تُنفّذ.

رغم صمت البيت الأبيض الحالي، صدرت تحذيرات من أجهزة الاستخبارات الأميركية بشأن احتمالات رد إيراني عنيف، قد يدفع المنطقة إلى حرب شاملة. هذه التحذيرات وإن جاءت متأخرة، تكشف ازدواجية السياسة الأميركية: دعم ميداني غير مباشر لإسرائيل، مع تحفّظ لفظي لضبط الإيقاع، ومنع الانفجار الكامل.

هكذا تبدو واشنطن، كمن يُشعل النار ويخشى من دخانها، تراهن على إعادة التوازن بالقوة، لكنها تخشى عواقب التصعيد غير المضبوط.

منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، بدأت تتشكّل ملامح تحالف غير تقليدي مع نتنياهو، تحالف يتجاوز حدود السياسة إلى شراكة في الرؤية والهدف.

ما حدث ليس مجرد ضربة عسكرية. إنه مشهد افتتاحي لفصل جديد من الصراع، عنوانه “قوة الأمر الواقع”. الشرق الأوسط اليوم في مرحلة ما بعد الإنذار، أمام خريطة يعاد تشكيلها على وقع التحالفات المظلمة والمصالح الكبرى.

إيران من جهتها باتت أمام مفترق حاد: إما الرد المباشر، بما يحمله من خطر الانزلاق إلى حرب إقليمية، أو التراجع التكتيكي مع حفظ ماء الوجه، عبر وكلائها الإقليميين. في كلا الحالتين، الصورة تغيرت، والهيبة أصيبت، وربما للمرة الأولى بهذا العمق.

قد لا تُنشر الوثائق، وقد لا يُرفع الستار عن المكالمات، لكن المؤشرات واضحة: هناك خيوط خفية نسجت الضربة بإتقان، تشي بتحالف استراتيجي غير معلن، يعيد تشكيل الشرق الأوسط بيدين: واحدة تضرب، وأخرى تراقب بصمت.

السؤال لم يعد: هل تواطأ ترامب ونتنياهو؟ بل: هل نحن مستعدون لشرق أوسط يولد من رحم هذا التواطؤ؟


اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن.