السودان بين الذهول والضياع

بقلم: مجدي رشيد – أكاديمي ومختص مهني في الدراسات السياسية والاجتماعية مقيم في ألمانيا
يعيش الشعب السوداني اليوم حالة من الذهول والحيرة، لا تكاد تخطئها العين ولا القلب. الوطن ينزف، يتمزق وينهار أمام أعين أبنائه، يومًا بعد يوم، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل تُنقذه من هذا المصير المظلم. الحرب التي أشعلها أيٌّ من كان، أنهكت ودمرت البلاد، ومزّقت النسيج الاجتماعي، وأفقدت الناس الثقة في كل من يتحدث باسم “الخلاص”.
وسط هذا المشهد القاتم، يطل الدكتور كامل إدريس بمبادرة لتشكيل ما أسماها “حكومة الأمل” من التكنوقراط، لكننا حتى الآن لا نرى منه رؤية واضحة أو خارطة طريق جادة للحل. الواقع السوداني اليوم لا يحتمل الترف السياسي أو المبادرات النظرية، بل يحتاج إلى حكومة إنقاذ وطني حقيقية، تتكوّن من كفاءات تجمع بين الخبرة الفنية والحكمة السياسية، وتستند إلى دعم شعبي ومؤسساتي فعّال، قادرة على انتشال البلاد من النفق المظلم والوضع الكارثي الذي أوقعنا فيه الصراع العسكري والسياسي.
وفي خضم هذا الفراغ القيادي والانقسام الحاد، نشهد الآن ظهور ما يُسمى بـ”الحكومة الموازية”، التي تم تكوينها مؤخرًا عبر تحالفات مدعومة من جهات إقليمية متعددة، تسعى ليس لإنقاذ السودان، بل لتمزيقه. ولا يخفى على أحد الدور الإماراتي البارز في هذا السياق، إذ بات واضحًا أن هناك مصالح إقليمية تُدار على حساب وحدة السودان واستقراره، تدفع نحو تعميق الانقسام وتأجيج الصراع، في محاولة لصياغة سودان مفكك، هش، تابع، منزوع السيادة.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن إدارة الأزمة السودانية لا يمكن أن تتم بأدوات قديمة أو شعارات مبهمة. المطلوب الآن ليس فقط إيقاف الحرب، بل إعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة والحرية والمواطنة، وتفكيك البُنى العميقة للفساد والاستبداد، التي ظلت تُنتج الأزمات وتُعيد تدويرها.
إن تأخّر الحل لن يجلب سوى المزيد من الدماء والدمار، وسيضاعف من معاناة المواطنين الذين فقدوا كل شيء، إلا الأمل في غدٍ أفضل.