من أجل نهضة وطن بعد الحرب!

بقلم/ مجدي رشيد
في ظل ما يشهده السودان من دمار واسع وتمزق عميق في الدولة والمجتمع، بات من المؤكد أن ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبلها. لقد كشفت هذه الكارثة عن عمق أزمة الحكم في السودان، وعن فشل النخبة السياسية والعسكرية في بناء دولة قادرة على البقاء، فضلًا عن تحقيق طموحات شعبها. إن نهضة السودان لا يمكن أن تتم عبر وصفات جاهزة أو صفقات فوقية، بل من خلال إرادة وطنية حقيقية تقود إلى خريطة طريق متدرجة، تبدأ بإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، وتنتهي بانتقال مدني ديمقراطي مكتمل.
نقترح أن تمر عملية إعادة بناء السودان بعد الحرب بثلاث مراحل متكاملة، كلٌّ منها تمهّد لما يليها:
1. المرحلة التأسيسية (الإنقاذ الوطني)
وهي المرحلة التي تلي مباشرة نهاية الحرب، وتُعنى بوضع أسس جديدة للدولة السودانية، وتتمثل أولوياتها في:
- استعادة الأمن وهيبة الدولة وبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني.
- وقف شامل لإطلاق النار، ونزع السلاح من المدن، وتأمين عودة النازحين واللاجئين.
- تشكيل مجلس تأسيسي أو تشريعي مؤقت يمثل جميع السودانيين، ويضع الخطوط العريضة لبنية الدولة الجديدة.
- إطلاق عملية حوار وطني جامع لوضع أسس العقد الاجتماعي الجديد.
- إعادة هيكلة القوات النظامية تحت إشراف مدني.
2. مرحلة الانتقال التحضيرية (التمهيد للمدنية)
مرحلة متوسطة تؤمّن الانتقال السلس من الطوارئ إلى المسار المدني، وتشمل:
- تكوين حكومة مدنية انتقالية ذات مهام واضحة ومحددة بزمن.
- الإعداد للدستور الدائم من خلال مشاورات شعبية واسعة.
- الشروع في عملية العدالة الانتقالية ومحاسبة من ارتكبوا الجرائم.
- إصلاح مؤسسات الدولة وتطهيرها من التمكين والفساد.
- إعادة تأهيل الاقتصاد الوطني ومؤسسات التعليم والصحة والخدمة المدنية.
3. مرحلة الانتقال الديمقراطي الكامل
وهي المرحلة الأخيرة، التي تقوم على ما بُني في المرحلتين السابقتين، وتهدف إلى:
- إجراء انتخابات حرة ونزيهة بموجب الدستور الجديد.
- انتقال السلطة إلى مؤسسات منتخبة بالكامل (برلمان – رئاسة – حكومات ولائية).
- ضمان التداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات، واستقلال القضاء.
- إطلاق مشروع وطني للتنمية المستدامة والمصالحة المجتمعية.
لا يمكن تحقيق هذه الخريطة دون إجماع وطني واسع، وهو ما يستدعي عقد مؤتمر سوداني جامع يضم كل مكونات المجتمع السوداني من دون إقصاء أو تهميش – جغرافيًا أو قبليًا أو ثقافيًا أو دينيًا أو سياسيًا أو فكريًا.
ويهدف هذا المؤتمر إلى بناء أساس سياسي وأخلاقي لمستقبل السودان، من خلال:
- الاتفاق على المبادئ الحاكمة للمرحلة التأسيسية.
- تشكيل آلية وطنية للإشراف على تنفيذ خارطة الطريق.
- إطلاق رؤية مشتركة لإعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة.
إن الوقت قد حان لطي صفحة الدماء والانقسامات، وفتح صفحة جديدة عنوانها: “سودان لكل السودانيين، لا يُقصي أحدًا ولا يُهيمن عليه أحد.”
سودان مدني، ديمقراطي، آمن، عادل، ومزدهر.
ندعو جميع القوى الوطنية، في الداخل والخارج، إلى الانخرا