صفقة القرن – حقيقة أم سراب؟


ديفيد إيغناتيوس

تحدث دونالد ترامب لأول مرة عن السلام الإسرائيلي-الفلسطيني باعتباره “صفقة القرن” عندما ترشّح للرئاسة عام 2016. ولا يزال هذا السلام بعيد المنال، لكن ترامب وضع، يوم الاثنين، أساسًا جديدًا له عبر خطته لإنهاء الحرب الكابوسية في غزة والبدء في الانتقال إلى مرحلة “اليوم التالي” بشكل مستقر.

فـ”غزة الجديدة” التي أعلنها ترامب من المفترض أن تخفف معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين دمّرتهم الحرب، وأن تضع حدًا للمعاناة التي تتحملها إسرائيل منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. غير أن غزة اليوم مجرد أنقاض غارقة بالدماء، وسكانها يعيشون الجوع والخوف، مثلهم مثل الرهائن الإسرائيليين، وقد حان وقت وقف القتال.

ورغم ميل ترامب للمبالغة في إنجازاته، فإن هذه المرة مختلفة؛ إذ قد يغيّر “مجلس السلام” الذي أنشأه للإشراف على الانتقال السياسي في غزة قواعد اللعبة. وقدّم ترامب نفسه – بصيغة الغائب – رئيسًا لهذا المجلس، وإذا نجحت الخطة فستعزز مصداقيته.

لكن التحدي الأكبر يبقى في موافقة حماس على وقف إطلاق النار، والذي يشكل عمليًا استسلامًا كاملًا وفقدانًا دائمًا لقوتها العسكرية والسياسية. في المقابل، ستُترجم الخطة إلى “نصر كامل” يسعى إليه نتنياهو، مع إنقاذ الرهائن الإسرائيليين الباقين. وقد أكد نتنياهو أن الاتفاق “يحقق أهداف حربنا”.

كما حصل نتنياهو على تنازلات لافتة، منها: استبعاد السلطة الفلسطينية من إدارة غزة بعد الحرب إلى حين “إصلاحها”، والإبقاء على منطقة عازلة تحت الاحتلال الإسرائيلي. أما السعودية، فتبدو مستعدة لتأييد الاتفاق، رغم غياب أي التزام واضح بمسار يقود إلى دولة فلسطينية – وهو شرط وضعه القادة السعوديون.

الخطة، رغم غموض تفاصيلها، ترافقت هذه المرة مع إطار عمل أوضح أعده فريق ترامب بالتعاون مع حلفائه العرب. ووفقًا للبيت الأبيض، سيشرف “مجلس السلام” على إدارة انتقالية مؤقتة عبر لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، فيما تتولى قوة دولية مهام الاستقرار وتدريب شرطة فلسطينية جديدة. وقد تعهّدت دول مثل إيطاليا وإندونيسيا وأذربيجان بالمساهمة في هذه القوة، بينما ستشارك مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات في مجموعة إشراف عربية غير رسمية.

ورغم افتقار إدارة ترامب إلى الخبرة الفنية، استعانت بوجوه بارزة مثل جاريد كوشنر مهندس اتفاقيات إبراهيم، وتوني بلير الذي قد يكون المدير التنفيذي لمجلس السلام.

تهدف “غزة الجديدة” إلى تفكيك حماس ونزع سلاحها، مع عرض عفو وممر آمن للراغبين في مغادرة القطاع، في مشهد يذكّر بخروج ياسر عرفات من بيروت عام 1982. لكن تجارب المنطقة تؤكد أن اتفاقيات السلام غالبًا ما تكون سرابًا.

يرى المتشائمون أن الخطة تفتقر إلى الأدوات العملية الكفيلة بإنعاش غزة المدمّرة وسكانها المحبطين، وإن كانت تمثل تراجعًا عن أفكار التهجير القسري السابقة. كما أشاد ترامب بدور قطر كوسيط رئيسي، في وقت يبرز أيضًا دور الإمارات في فتح قنوات اتصال مع إسرائيل بشأن “اليوم التالي”.

لقد طال أمد معاناة غزة. وأتذكر، وأنا أقف على مشارفها الجنوبية في نوفمبر 2023، مشهد اللاجئين الفلسطينيين وهم ينزحون جنوبًا بخطوات مثقلة، يدفعون أقاربهم على الكراسي المتحركة، في موكب إنساني بائس. كان المشهد صادمًا حتى للضابط الإسرائيلي الذي رافقني وقال: “ليس لدينا خيار”. ذلك الإحساس باللا مخرج ظل يلازم الصراع منذ 45 عامًا.

وربما يكون إعلان الاثنين قد فتح بابًا ضيقًا للتغيير. ولا يسعنا إلا أن نأمل أن يتمكن ترامب وتحالفه العربي-الإسرائيلي الجديد من المضي قدمًا في هذه المساعي.

نقلا عن واشنطن بوست

زر الذهاب إلى الأعلى