الدمار في قطاع غزة في صورة التطقت اليوم الأحد
محمد فال معاوية
حين خمدت أصوات المدافع في غزة، لم يخمد صدى الحجارة. فالحرب التي امتدت لعامين لم تترك خلفها سوى رماد المدن وصمتًا أثقل من الدخان. واليوم، وسط هذا الركام، يعلو نداء المراجعة — لا للتبرير ولا للتنديد، بل لفهم ما جرى بين فجر السابع من أكتوبر وبزوغ هذا الصمت المعلّق على أعتاب الأمل.
لقد كانت حرب غزة أكثر من مواجهة عسكرية؛ كانت مرآةً كاشفة لانكسار العالم، ولضعف النظام الدولي، وعجز المؤسسات الأممية، وتبدّل موازين القيم قبل موازين القوى. فمن خلف البيانات السياسية، كانت الحقيقة تُدفن تحت الأنقاض، ومن بين صرخات المدنيين كانت ترتفع أسئلة الإنسانية المعلّقة بلا إجابة.
في عامين من النار، لم تتغير فقط خرائط الأرض، بل خرائط الوعي أيضًا. جيل جديد من الفلسطينيين خرج من بين الركام، يحمل ذاكرة الحرب على كتفيه ويدرك أن العالم لا يسمع إلا حين تُهزّ مصالحه. ومع ذلك، لم تمت الفكرة، ولم تُطفأ جذوة الصمود، لأن غزة، منذ البداية، لم تكن معركة سلاح فحسب، بل معركة إرادة ضد النسيان.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية الحرب، واحتفل الزعماء في شرم الشيخ بولادة هدنة جديدة. صور المصافحات تملأ الشاشات، وعبارات “السلام” تتردد في القاعات المكيّفة، بينما في الأزقة المهدّمة لا يزال الغبار شاهدًا على حربٍ لم يعرف أحد كيف بدأت، ولا كيف انتهت حقًا. فالنار قد تنطفئ رسميًا، لكن آثارها تبقى مشتعلة في النفوس والمشهد السياسي معًا.
إن مراجعة ما جرى ليست ترفًا فكريًا ولا رفاهية نخبوية. إنها واجب سياسي وأخلاقي وتاريخي في آنٍ واحد. لا يكفي إعلان الهدنة دون مساءلة الأسباب التي أشعلت الحرب، ولا معنى لأي “خطة سلام” إن لم تتناول جذور الصراع: الاحتلال، والحصار، والعدالة المؤجلة. فالمنطقة لن تنهض من رمادها إن ظلّت السياسات رهينةً للحسابات اللحظية، وإن بقيت الحقيقة أسيرةً لتوازنات القوة لا لتوازنات الضمير.
من واشنطن إلى طهران، ومن القاهرة إلى تل أبيب، ومن الدوحة إلى الأمم المتحدة، يقف الشرق الأوسط أمام اختبارٍ جديد: هل يمكن أن يُبنى نظام أكثر عدلاً بعد كل هذا الدمار؟ أم أن القوى العظمى ستواصل تدوير الأزمات كأنها ملفات اقتصادية لا أرواحًا بشرية؟
إن ما حدث في غزة ليس شأنًا محليًا، بل امتحانًا عالميًا للإنسانية. فكل حجر تهدّم هناك كان يفضح هشاشة النظام الدولي، وكل طفلٍ رحل كان يسأل العالم سؤالاً واحدًا: من يملك حق الحياة؟ لقد فشلت الدبلوماسية حين اختارت الصمت، وفشل الضمير الجمعي حين اعتاد صور الموت كخبرٍ عابرٍ في نشرات المساء.
اليوم، لا نحتاج إلى مزيد من الخطابات، ولا إلى لجان جديدة “لتقصي الحقائق”. ما نحتاجه هو شجاعة المراجعة: مراجعة الخيارات السياسية، والخطاب الإعلامي، وحسابات الربح والخسارة التي تُدار بها المآسي. نحتاج إلى الاعتراف بأن ما جرى كان جرحًا أخلاقيًا قبل أن يكون صراعًا عسكريًا، وأن الدم الذي سُفك يجب أن يُترجم إلى وعي جديد لا إلى ذاكرة منسية.
غزة اليوم ليست جغرافيا صغيرة في خارطة النزاع؛ إنها الضمير المكشوف للعالم. كل حجر فيها شهادة على فشل الدبلوماسية، وكل أمٍ ثكلى تذكّر بأن العدالة لا تُؤجل إلى مؤتمرات الغد. ومن رحم هذا الألم، يمكن أن تولد مرحلة مختلفة — إن قرر العالم أن يسمع الركام قبل أن يتحدث القادة.
سيكتب التاريخ أن هذه الحرب كانت عصيّة على النسيان، لأن الركام فيها يتكلم، ولأن المراجعة ليست ندمًا بل خلاصًا. فحين ينادي الحُطام، لا يطلب البكاء، بل العدالة. وتلك هي البداية الحقيقية لكل سلامٍ يستحق أن يُكتب.
يبدو أن مستقبل قطاع غزة محصور في ثلاثة سيناريوهات محتملة، تتشكل وفق موازين القوى التي…
تعرض متحف اللوفر في باريس، أحد أشهر المتاحف في العالم، صباح الأحد لعملية سرقة جريئة،…
أعربت مجموعات الأعمال الأمريكية عن قلقها المتزايد من أن الإغلاق الحكومي المستمر يترك آثارًا سلبية…
في مشهدٍ يليق بعصرٍ تتقاطع فيه القيم مع التقنية، ارتفعت من دبي مساء الأحد كلماتٌ…
في تصعيد إلكتروني جديد ضد إسرائيل، أعلنت مجموعة القرصنة الإيرانية المعروفة باسم «حنظلة» (Hanzala Hackers)…
زيد بن كمي الصور التي بثّتها قناة «العربية» من غزة هذا الأسبوع بعد أن وضعت…