دارة آل مكتوم.. مرآة ذاكرة دبي الحصرية

في لحظةٍ تجمع بين الحنين والرؤية، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، عن إطلاق دارة آل مكتوم — صرحٌ ثقافي جديد يُعيد كتابة قصة دبي بلغة الذاكرة، لا بلغة الأرشيف.
محمد بن راشد نشر تغريدةً على حسابه الرسمي في منصة إكس قال فيها: «أطلقنا اليوم دارة آل مكتوم… هدفها حفظ التاريخ، وترسيخ الذاكرة، ورواية القصة الكاملة للسيرة والمسيرة للأجيال القادمة وللمنطقة والعالم. هدفنا حفظ إرث دبي وأرشفته ونشره… ليس الهدف تأسيس مؤسسة، بل رواية تاريخنا، لأن التاريخ ليس ماضياً فحسب، بل مرآة ننظر فيها لنبني غداً أعظم بإذن الله».
مشروع يتجاوز الأرشفة إلى صناعة الذاكرة
في عمق هذه الكلمات تتجلّى فلسفة دبي في التعامل مع الزمن: أن التاريخ ليس صندوقاً مغلقاً، بل طاقةٌ حيّة لبناء المستقبل.
دارة آل مكتوم لا تُسجّل الأحداث بجمودٍ بيروقراطي، بل ترويها كملحمة إنسانية تتقاطع فيها الحكايات مع القيم، والمكان مع الإنسان. إنها ليست مؤسسة أرشيفية بالمعنى التقليدي، بل منصة تفاعلية تحفظ نبض المدينة وروحها المتوثبة.
ويقول الدكتور سامي حداد، الباحث في علم الوثائق والتاريخ الاجتماعي: «المشروع يضع دبي في مصافّ المدن العالمية التي تحوّل ذاكرتها إلى مشروع وطني جامع، يشبه من حيث الأثر مكتبة الإسكندرية الجديدة أو أرشيف باريس الرقمي. إنها ليست مجرد ذاكرة محلية، بل ذاكرة إنسانية مفتوحة».
رؤية عالمية.. وهوية عربية متجددة
من باريس إلى الدوحة، ومن عمّان إلى نيويورك، تتزايد الدعوات لحماية الذاكرة كأحد أهم عناصر السيادة الثقافية.
ويرى البروفيسور جان-بيير لوران، الخبير الفرنسي في علم الأرشفة الرقمية، أن «الدارة ستكون نموذجاً عربياً متقدماً لتكامل التاريخ الشفهي والمكتوب، مع استخدام الذكاء الاصطناعي في الفهرسة وتحليل المحتوى البصري»، مؤكداً أن المشروع «يجعل من الذاكرة جسراً بين الأجيال، لا مجرد حائط من الصور القديمة».
فيما يشير الدكتور فهد الزبيدي، الباحث في علم الاجتماع الثقافي، إلى أن «القيمة الحقيقية للمشروع تكمن في إشراك المجتمع في رواية القصة. فكل فرد في دبي يحمل جزءاً من الذاكرة، والدارة تفتح الباب أمام الناس ليكونوا جزءاً من التاريخ، لا مجرد شهود عليه».
الذاكرة كقوة ناعمة للمستقبل
إطلاق دارة آل مكتوم هو فعل ثقافي وسياسي في آنٍ واحد. فبينما تسعى المدن إلى التنافس في الأبراج والموانئ، اختارت دبي أن تنافس في الذاكرة. إنها تؤكد أن الحضارة لا تُقاس بحجم الإسمنت، بل بعمق الحكاية التي ترويها للأجيال.
الدارة إذن، ليست مؤسسة تحفظ ما كان، بل تصوغ ما سيكون. إنها تعيد تعريف علاقة المدينة بتراثها، وتحوّل التاريخ من ماضٍ يُروى إلى طاقةٍ تُلهِم المستقبل.
حين تتحول الذاكرة إلى مشروع حياة
بهذا الإعلان، تكتب دبي فصلاً جديداً من سيرتها؛ فصلٌ يُحتفى فيه بالإنسان قبل المكان، وبالحكاية قبل الحدث.
فـ دارة آل مكتوم هي مرآة الذاكرة العربية، ومختبر الهوية الحديثة، ورسالة تقول للعالم إن المدن التي تحفظ ذاكرتها، تحفظ روحها وقدرتها على التجدد.
وكما قال محمد بن راشد: «التاريخ مرآة ننظر فيها لنبني غداً أعظم» — وها هي دبي تنظر في تلك المرآة لتضيء بها طريق المستقبل.
لندن – محمد فال معاوية





