لقطة الشاشة 2025-04-17 في 11.42.39 م

تعبيرية عن خطورة الذكاء الاصطناعي على وظائف البشر

إدة سيدي عالي – (لندن)

حين كتب فرانز كافكا سطره الأول في قصة “التحوّل”، لم يكن ينسج فقط خيوط رواية سريالية، بل كان يُشخّص بألم بالغ واقع الإنسان في عصر الحداثة. يستيقظ غريغور سامسا ذات صباح ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة، لكن كافكا لا يمنح القارئ لحظة تساؤل منطقية؛ بل يدفعه للتفكير في المعضلة الكبرى: كيف سيذهب سامسا إلى عمله بعد فقدان جسده؟

بهذه البداية العبثية، ينسج كافكا قصة عميقة عن فقدان الهوية والإنسانية وسط أنظمة الإنتاج الرأسمالية. فسامسا ليس إلا موظفًا مُنهكًا، فقد صحته من أجل إرضاء مديره وتوفير الحياة لأسرته التي انهارت من طبقة برجوازية إلى عائلة بروليتارية تُثقل كاهله بتوقعات لا تنتهي.

لكنّ مأساة سامسا لا تقف عند التحوّل الجسدي، بل تتجلى في رمزية قاسية: فقدان القيمة حين تتوقف الإنتاجية. هذا العامل المُجتهد، ما إن أصبح عاجزًا، حتى تحول إلى عبء يجب التخلص منه. هكذا تصرفت أسرته، وهكذا تعامل معه محيطه: غرفة معزولة، تجاهل تام، ووداع بارد لم يلحظه أحد سوى خادمة المنزل.

واليوم، مع صعود الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات فائقة التدريب، يتجدد سؤال كافكا:

“هل يفقد الإنسان قيمته عندما يُصبح أقل كفاءة من الآلة؟”

في عصر الأتمتة، ملايين الموظفين يواجهون خطر الاستبعاد من سوق العمل، ليس لضعفهم، بل لأن الخوارزميات أكثر إنتاجًا، وأكثر طاعة، وأقل تكلفة. وكما تخلّت أسرة سامسا عنه حين توقف عن العطاء، تتخلى بعض المؤسسات الحديثة عن البشر لصالح الآلات، بدافع الربح وحده.

ربما لو وُلد غريغور سامسا في زمن الذكاء الاصطناعي، لوجد نفسه في صراع مماثل، بل وربما أكثر قسوة؛ لأنه لن يتحول إلى حشرة، بل إلى رقم في معادلة حسابية لا تعترف إلا بالكفاءة والإنتاج.