image

كامل إدريس

لندن – رامي صلاح

في مشهد يعكس “العودة إلى نقطة الصفر”، أدى الدكتور كامل إدريس اليمين الدستورية رئيسًا لوزراء السودان، بعد أربع سنوات من الانقلاب العسكري، وعامٍ من الحرب الداخلية المدمرة.
الخطوة، التي روّج لها الإعلام الرسمي على أنها “انفراجة سياسية”، بدت لكثير من المراقبين محاولة لإعادة تدوير الأزمة أكثر من كونها بداية حقيقية نحو حكم مدني.

انقلاب عبد الفتاح البرهان.. كسر أحلام الثورة

عقب توقيع الوثيقة الدستورية عام 2019، وبعد الإطاحة بنظام عمر البشير، تنفس السودانيون الصعداء وعلّقوا آمالهم على مرحلة انتقالية تقود إلى ديمقراطية حقيقية. لكن هذه الآمال سرعان ما تحطمت في 25 أكتوبر 2021، عندما نفذ عبد الفتاح البرهان انقلابًا أطاح بالحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك.

ذلك الانقلاب لم يكن مجرد انتكاسة سياسية، بل اعتبره كثيرون طعنة في ظهر ثورة ديسمبر، التي دفع الشعب السوداني ثمنها من دمائه.

من الانقلاب إلى حرب دموية

مع تصاعد التوترات داخل المنظومة العسكرية، انفجرت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذه الحرب خلفت آلاف القتلى وملايين النازحين، وجعلت من السودان مسرحًا لأسوأ أزمة إنسانية في تاريخه الحديث.

وفيما كانت البلاد تتداعى تحت نيران المدافع، استمر البرهان في إطلاق التصريحات السياسية، وكأن شيئًا لم يحدث، دون أن يظهر أي مؤشر على الاستعداد لتنازلات تنقذ البلاد.

تعيين كامل إدريس.. محاولة لإعادة تدوير المشهد؟

في هذا السياق المأزوم، جاء تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، من قبل البرهان نفسه. إدريس شخصية دولية مرموقة، لكن ارتباطه بالمؤسسة العسكرية، وغياب أي تفويض شعبي أو توافق سياسي على تعيينه، يطرح تساؤلات جدية حول جدوى الخطوة.

وقد منحت التعديلات الدستورية الأخيرة البرهان صلاحيات مطلقة، منها تعيين وإقالة رئيس الوزراء، مما يجعل من إدريس مجرد واجهة مدنية لحكم عسكري فعلي.

غياب العدالة والمساءلة.. أصل المشكلة

منذ الانقلاب، لم تتم محاسبة البرهان على مجازر مثل مذبحة القيادة العامة، أو الحرب التي أشعلها، أو حتى على فشل المسار الانتقالي.
بدلًا من ذلك، يواصل الرجل إعادة إنتاج سلطته من خلال قرارات أحادية، تُقصي القوى الثورية، وتُعزز من هيمنة العسكريين على المشهد السياسي.

رقصة البرهان الأخيرة؟

يعتقد بعض المحللين أن تعيين إدريس قد يكون الفرصة الأخيرة أمام البرهان لتصحيح المسار. لكن في ظل استمرار الحرب، وانعدام الشفافية، واستبعاد القوى المدنية الحقيقية، تبقى هذه الخطوة قاصرة وعاجزة عن بناء أي مسار ديمقراطي حقيقي.

لا ديمقراطية تُبنى على فوهة البندقية

ما بين إزاحة حكومة حمدوك وتسمية حكومة إدريس، مر السودان بدائرة من العنف والانهيار والثقة المهدورة.
ولا يمكن بناء مستقبل سياسي حقيقي دون:

  • وقف فوري للحرب
  • مساءلة حقيقية عن الجرائم والانتهاكات
  • إشراك القوى الثورية والشبابية
  • تفكيك بنية الهيمنة العسكرية
  • انطلاق عملية سياسية شاملة وشفافة

الخلاصة

تبدو حكومة إدريس الجديدة، في ظل الشروط الحالية، أشبه بديكور سياسي أكثر من كونها محاولة صادقة لإنقاذ السودان. ولا يمكن أن يُكتب النجاح لأي مسار سياسي لا يتأسس على العدالة والمحاسبة والتحول المدني الكامل.