في لحظة وُصفت بأنها “انفراجة القرن”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا نهاية حرب غزة التي استمرت قرابة عامين، بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار التاريخي في منتجع شرم الشيخ المصري، بمشاركة وسطاء من مصر وتركيا وقطر.
جاء الإعلان بعد تنفيذ عملية تبادل كبرى بين إسرائيل وحركة حماس، تم بموجبها الإفراج عن آخر الرهائن الإسرائيليين الأحياء مقابل إطلاق سراح ما يقرب من ألفي سجين فلسطيني، لتنتهي واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيدًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، بحسب رويترز.
وقال ترامب، الذي بدا متأثرًا أثناء خطابه أمام القمة:
“السماء صافية، والمدافع صامتة، والشمس تشرق على أرض مقدسة أصبحت أخيرًا في سلام. هذه الحرب كانت كابوسًا طويلًا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، لكنها انتهت الآن.”
وأضاف ترامب أن هذا الاتفاق “ليس مجرد وقف لإطلاق النار، بل بداية جديدة لشعوب المنطقة، وفرصة لإعادة بناء ما دمرته الحرب بالأمل والعمل المشترك”.
توقيع الوثيقة وبداية مرحلة جديدة
شهدت قاعة المؤتمرات الكبرى في شرم الشيخ لحظة تاريخية حين وقع ترامب إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وثيقة أطلق عليها اسم “إعلان شرم الشيخ للسلام”، والتي تنص على التزام الأطراف الراعية بالعمل على تثبيت الهدنة، ودعم إعادة إعمار غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
وقال السيسي خلال كلمته في القمة:
“نأمل أن يُغلق هذا الاتفاق صفحة أليمة في تاريخ الإنسانية، ويفتح بابًا لعهد جديد من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. مصر كانت وما زالت تقف إلى جانب كل جهد يهدف إلى إنقاذ الأرواح وتحقيق العدالة.”
وأضاف أن الاتفاق يمثل “خطوة أولى نحو تنفيذ حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الطموح المشروع للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في العيش بسلام وأمان”.
تفاصيل الصفقة الإنسانية
تمت عملية تبادل الأسرى والرهائن بإشراف مباشر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث سلّمت حماس آخر 20 رهينة إسرائيليًا أحياء، بينما نقلت إسرائيل نحو 2000 سجين فلسطيني من سجونها، بينهم نساء وأطفال ومعتقلون سياسيون.
في تل أبيب، استقبل الآلاف من الإسرائيليين رهائنهم بالدموع والعناق، ورفعت الأعلام الإسرائيلية وسط هتافات “العودة إلى الحياة”. في المقابل، شهدت غزة مشاهد مؤثرة، حيث احتشدت عائلات الفلسطينيين أمام المستشفيات والمعابر، ولوّح المفرج عنهم بعلامات النصر من نوافذ الحافلات.
وقالت أم أحمد، وهي من خان يونس، في رسالة صوتية لـاليوم ميديا:
“نفرح بتحرير أولادنا، لكن في القلب غصّة… فقدنا أحبابنا وبيوتنا، وما زالت غزة تنزف رغم السلام.”
مشهد إنساني مؤلم وأمل هش
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، حين شنت حماس هجومًا أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 250 رهينة، ردت إسرائيل بعملية عسكرية واسعة حولت معظم مناطق قطاع غزة إلى أنقاض.
وتشير السلطات الصحية في غزة إلى أن الحملة الإسرائيلية أدت إلى مقتل أكثر من 75 ألف فلسطيني وإصابة مئات الآلاف، فضلًا عن تدمير البنية التحتية للقطاع، وتهجير أكثر من مليوني إنسان.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأ آلاف الفلسطينيين بالعودة إلى أطلال منازلهم، فيما بدأت الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية بتجهيز قوافل مساعدات جديدة تشمل الوقود والمواد الغذائية والأدوية. وقال توم فليتشر، منسق المساعدات الأممي، إن “هذه اللحظة يجب أن تُستثمر لتخفيف المعاناة وإعادة الحياة إلى غزة”.
قمة شرم الشيخ… سلام بمذاق الحذر
رغم الأجواء الاحتفالية في القمة، فإن العقبات ما زالت كثيرة. فملف إدارة غزة بعد الحرب لا يزال محل خلاف، كما أن مصير حركة حماس ومستقبلها السياسي لم يُحسم بعد. ولم تحضر إسرائيل أو حماس القمة، لكن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسعودية شاركوا في النقاشات.
وأشار ترامب في حديثه إلى أن “الولايات المتحدة منحت حماس تفويضًا مؤقتًا لضمان الأمن الداخلي في غزة حتى يتم التوصل إلى ترتيبات دائمة”، مضيفًا: “إنهم يريدون وقف المشكلات، ونحن نمنحهم فرصة لذلك. هذه بداية، وليست النهاية.”
كما ألمح ترامب إلى إمكانية فتح حوار مستقبلي بين إسرائيل وإيران، قائلاً أمام الحضور: “سيأتي اليوم الذي نرى فيه اتفاق سلام بين تل أبيب وطهران… ألن يكون ذلك أمرًا جميلاً؟”
شرق أوسط جديد؟
يرى محللون أن هذا الاتفاق قد يشكل نقطة تحول كبرى في المنطقة، إذ يعيد ترتيب العلاقات الإقليمية ويفتح الباب أمام مرحلة من إعادة الإعمار والتطبيع الحذر. لكن كثيرين يشككون في قدرة الهدنة على الصمود في ظل استمرار الانقسام السياسي بين الفصائل الفلسطينية، ورفض إسرائيل حتى الآن أي حديث عن انسحاب كامل أو اعتراف بحماس كطرف شرعي.
ومع ذلك، فإن مشهد ترامب وهو يصافح السيسي وعباس في قاعة واحدة بدا وكأنه رمز لنهاية حقبة من الحرب، وبداية أخرى من الترقب والأمل.
وفي ختام كلمته، قال ترامب: “اليوم تبدأ الإعمار… واليوم نكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الشرق الأوسط. بعد عامين من الدم والدموع، آن الأوان أن يتكلم السلام.”
لندن – اليوم ميديا

