من العاصمة القطرية الدوحة
في عالم السياسة الدولية، لا تُقاس القوة دائمًا بالحجم العسكري أو الاقتصاد التقليدي. قطر، الدولة الصغيرة في الخليج، أثبتت أن الذكاء الاستثماري، القوة الناعمة، والدبلوماسية الدقيقة يمكن أن تحوّلها إلى لاعب عالمي مؤثر. من خلال الاستثمار في الإعلام والرياضة والثقافة، وبناء علاقات استراتيجية مع الدول الكبرى، نجحت الدوحة في كسب التأثير على صُنع القرار الدولي، حتى في أعقد الملفات الإقليمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
هذا التحليل يستعرض كيف استخدمت قطر الثروة الغازية والاستثمارية كأداة دبلوماسية، وكيف حولت التحديات الإقليمية، بما فيها الحصار السعودي والإماراتي، إلى فرص لتعزيز مكانتها كوسيط رئيسي في الصراعات الإقليمية والدولية. من الإعلام إلى الرياضة، ومن العلاقات مع واشنطن إلى الدور الوسيط في غزة، تُظهر قطر كيف يمكن لدولة صغيرة أن تُعيد تعريف قواعد اللعبة السياسية على المسرح الدولي؟
في لحظة حساسة من النزاع الفلسطيني، شنت إسرائيل غارات جوية على فريق حماس التفاوضي في الدوحة، ما مثل اختبارًا مباشرًا لقدرة قطر على حماية مصالحها وحلفائها الإقليميين. لم تكن هذه الضربات مجرد عملية عسكرية، بل رسالة سياسية للضغط على الوسيط القطري واختبار حدود قوته الدبلوماسية.
رغم الإحراج الدولي، أظهرت قطر براعة الدبلوماسية الناعمة، وحوّلت الأزمة إلى فرصة لتعزيز نفوذها، سواء في واشنطن أو في أروقة الأمم المتحدة، مما جعل الاعتذار الإسرائيلي عبر البيت الأبيض رمزًا للقوة القطرية ونجاح استراتيجيتها في تحويل التهديد العسكري إلى منصة لتعزيز مكانتها العالمية.
في عالم السياسة، حيث تُقاس القوة أحيانًا بالمظهر والضغط، كان على بنيامين نتنياهو أن يتقدم باعتذار رسمي لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد الغارات الجوية التي استهدفت فريق حماس التفاوضي في الدوحة.
وبحسب وكالة أسوشيد برس، جاء الاعتذار عبر مكالمة هاتفية من المكتب البيضاوي، حيث أخذ نتنياهو نفساً عميقاً قبل إطلاق الاعتذار الشخصي. وأصدرت إدارة البيت الأبيض صوراً للمكالمة، ما شكل إحراجاً لنتنياهو، في حين عزز مكانة قطر كرمز للقوة الناعمة والذكاء الدبلوماسي، حتى في عالم السياسة الأمريكية المعقد، أو ما يُعرف بعالم ماجا.
يبلغ عدد سكان قطر 3.1 مليون نسمة فقط، منهم حوالي 400 ألف مواطن، لكنها تمتلك ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم. ومن خلال هذه الثروة، استطاعت قطر تعزيز نفوذها وحماية نفسها من جيران أكبر، لا سيما الإمارات والسعودية.
بعد تولي الأمير تميم بن حمد آل ثاني الحكم في 2013، رفض الخضوع للضغوط الإقليمية، وبنى قطر دولة منافسة في الخليج على مدى عقدين، مع التركيز على العمارة الفاخرة، النهضة الاقتصادية، وجاذبية الاستثمار الدولي.
بينما أنفقت دول الخليج الأخرى ثرواتها على الأسلحة والدفاع، ركزت قطر على الذكاء الاقتصادي والثقافي لبناء قوة ناعمة متنامية. استثمرت في العقارات والشركات العالمية، وأعادت تشكيل علاقاتها الدولية على أسس المنفعة المتبادلة.
بلغت ذروة القوة الناعمة عندما استضافت قطر كأس العالم 2022، وأظهرت للعالم كيف يمكن لدولة صغيرة أن تُحوّل نفوذها الاقتصادي إلى حضور دبلوماسي عالمي.
في 2017، فرضت السعودية والإمارات حصاراً دبلوماسياً واقتصادياً على قطر، وطُردت الدوحة من مجلس التعاون، ومنعت الخطوط الجوية والموانئ من العمل معها. ومع الضغوط الأمريكية بقيادة ترامب، وُصفت قطر بأنها تحت سيطرة “الأيديولوجية المتطرفة” ورعاية الإرهاب، ما شكل تهديداً كبيراً لأمن الدولة الصغيرة المعتمدة على واشنطن.
ردت قطر بذكاء على الحصار عبر استثمارات استراتيجية، مستأجرة سياسيين ومستشارين أمريكيين مرتبطين بماجا، مثل بام بوندي وكاش باتيل، بدفع أجر باهظ لهم. كما ضخّت مئات الملايين في شركة جاريد كوشنر الاستثمارية، وامتلكت فنادق وشركات بارزة، وعرضت على ترامب طائرة بقيمة 400 مليون دولار مجاناً، لتثبت أن القوة الناعمة والمال يمكن أن يتحدا في بناء نفوذ دبلوماسي عالمي.
انتهى الحصار جزئياً في 2021 بفضل تدخل بايدن، لكن قطر واصلت تعزيز نفوذها، بما في ذلك منشأة للقوات الجوية في ولاية أيداهو. وقد لعبت الذكاء الاستثماري والدبلوماسية دوراً أكثر أهمية من المال وحده، محولة التحديات الإقليمية إلى فرص لتعزيز مكانتها في السياسة الدولية.
توسطت قطر في صراعات دولية عدة:
قال هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “هذه هي العلامة التجارية التي سعت قطر لتحقيقها على مر السنين. يريدون أن يُنظر إليهم كدولة وسيطة.”
استُخدمت القوة الناعمة القطرية لعقد اجتماعات بعد ضرب الدوحة، وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى القادة العرب بترامب لإقناعه بدعم خطة السلام في غزة. حتى السعوديون بدأوا يعترفون بالنفوذ القطري.
مع الحاجة المتزايدة للوساطة، أصبح دور قطر أكثر أهمية، لتسهيل التحويل من خطط السلام النظرية إلى اتفاقات عملية. وأشاد ترامب مؤخراً بشجاعة الأمير تميم: “كان الأمير شجاعاً جداً جداً. يجب أن تبدأ قطر في الحصول على بعض الثناء.”
لندن – اليوم ميديا
تكثف الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية لفرض الالتزام بخطة وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد…
رفض الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اليوم الاثنين عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب…
أحالت النيابة العامة لدولة الإمارات تسعة متهمين إلى المحاكمة بعد ثبوت تورطهم في تشكيل عصابة…
وصل المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر إلى إسرائيل اليوم الاثنين،…
رغم إعلان وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحماس، تصاعدت التوترات…
توسّع السلطات الفرنسية نطاق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتشمل منصات تداول العملات المشفرة،…