
أرشيفية
أحمد القاضي – اليوم ميديا
تقع جزيرة رابا نوي، المعروفة أيضًا باسم جزيرة الفصح، في قلب المحيط الهادئ الجنوبي على بعد آلاف الكيلومترات من أقرب شاطئ مأهول، وهي واحدة من أكثر الأماكن غموضًا وإثارة في العالم. هذه الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 164 كيلومترًا وتتبع جمهورية تشيلي، تجذب الباحثين والسياح بتماثيلها الحجرية العملاقة المعروفة باسم المواي.
تضم الجزيرة نحو 900 تمثالًا ضخماً، يصل طول بعضها إلى أكثر من 10 أمتار ويزن أكثر من 70 طنًا. تستقر هذه التماثيل على قواعد حجرية تسمى “آهو”، وهي تمثل أسلاف القبائل، وتحمل رموزًا دينية واجتماعية تعكس مكانة الزعماء وقوة العائلات الحاكمة في المجتمع القديم.
كشف العلماء مؤخرًا أن معظم التماثيل تحمل أجسامًا كاملة مدفونة تحت الأرض، مع أكثر من 400 تمثال نصف محفور أو في أوضاع غير مكتملة، ما يشير إلى توقف مفاجئ في عمليات النحت والنقل لأسباب لا تزال مجهولة.
كيف تم نقل هذه التماثيل العملاقة؟
سؤال طالما حير العلماء، خاصة مع غياب الحيوانات والعجلات أو أدوات الرفع في الجزيرة. تقنيات بدائية ذكية تم اكتشافها حديثًا، تضمنت تحريك التماثيل عبر تمايلها للأمام باستخدام الحبال، مما تطلب تنسيقًا جماعيًا عاليًا. وأظهرت دراسة حديثة وجود علاقة بين مواقع التماثيل ومصادر المياه العذبة، مما يشير إلى أن المواي كانت رموزًا لحماية الموارد الحيوية.
انهيار حضاري أم إرهاصات استعمار؟
الرواية الشعبية عن “الانتحار البيئي” لسكان رابا نوي بفعل قطع الأشجار تحولت مؤخرًا بفضل الدراسات العلمية، إلى سردية تشير إلى أن التدهور الحقيقي بدأ بعد وصول الأوروبيين، مع انتشار الأمراض والاستعباد وتقليص السكان بشكل كبير.
اليوم، يعيش في الجزيرة نحو 7700 نسمة، نصفهم من أصول رابا نوي، يحافظون على لغتهم وطقوسهم، ويشرف مجلس قبلي على المواقع الأثرية للحفاظ على تراث الأجداد رغم تحديات السياحة والتغيرات البيئية.
تهديد التغير المناخي يضع تماثيل المواي تحت ضغط متزايد، مع تآكل الحجر البركاني بفعل الرطوبة والعواصف المتكررة، مما دفع اليونسكو لإدراج الجزيرة ضمن المواقع التراثية المهددة، ويعمل السكان والسلطات على حلول حماية مستدامة.