image

تعبيرية

لندن – علي عبد الرحمن

على أطراف ممر “شاديسايد” المظلم، يتهادى فستان وردي كجسد فقد توازنه بين الحياة والعدم، فيما تتشبّث أنفاس “لوري غرينجر” بالحاضر كأنها تحاول تأجيل ما لا يُؤجَّل. لا رصاصات، لا جري، لا ضوضاء، فقط أنين ناعم يتقاطع مع موسيقى الحفلة، كأن الرعب لا يعارض الفرح بل يندمج فيه، كظلال تتراقص على جدران البهجة.

بهذا المشهد يفتتح فيلم “Fear Street: Prom Queen” الإصدار الرابع من سلسلة الرعب المستلهمة من عوالم آر. إل. ستاين، سردية لا تحتفل بالرعب كاقتحام، بل كحالة مقيمة. فلا إعلان للجريمة، ولا خلل في الإيقاع ينبّهنا. هناك فقط اختراق ناعم للحياة، كأن الخطر لم يعد طارئًا، بل جزءًا من نسيج المكان.

المكان ككابوس: مدرسة شاديسايد

تدور الأحداث داخل مدرسة “شاديسايد” الثانوية، ولكنها لا تُقدَّم كموقع زمني بريء، بل كبنية رمزية مكتظة بكل ما تم إنكاره. الزمن هو الثمانينات، حقبة مشبعة بالمثالية الأميركية، موسيقى صاخبة، وكليشيهات النجاح السهل.

لكن هذا الزمن ليس حنينًا، بل قناعًا، والمدرسة ليست للتعلّم، بل مرآة قاتمة لآليات الهيمنة. كل ممرّ سؤالٌ خفي: من يحق له أن يُرى؟ ومن يمرّ كظل؟ والحفل المدرسي لا يأتي كتتويج برئ، بل كطقس عقائديّ لاختيار من يحق له التمثّل بصورة “الملكة”.

الهويّة: بين القناع والخلع

الشخصيات في الفيلم لا تتحرك كذوات حرّة، بل كأنماط معلّقة بين ما هي عليه وما يُراد لها أن تكون. “لوري غرينجر” (إنديا فولر) ليست مجرد فتاة تطمح بالتتويج، بل مرآة لذات تحاول النجاة من وعيها، من العار المتناسل، من إرث والدتها.

أما “ميغان” (سوزانا صن)، فتتمرد على اللعبة بالتهكم، لكنها محاطة بأسئلة قاتلة: هل هي فتاة فعلاً؟ أم مجرد فكرة عنها؟ بينما “تيفاني فالكونر” (فينا سترازا) هي النموذج المثالي الذي اختاره النظام للعرض، لكنها مرعوبة من فقدان دورها، من السقوط عن المسرح.

الرعب البنيوي: القاتل ليس فردًا

القاتل ليس شريرًا نفسيًا، بل صوت النظام الخفيّ. يقتل لا الأشخاص، بل البنية التي أنتجتهم. لا يسأل الفيلم: من القاتل؟ بل: من سمح له بالدخول؟ ومن شرّع له الأبواب؟ من مات لم يكن شريرًا، بل لأنه صار مرئيًا.

الضوء كسكين: الصورة لا تحمي بل تفضح

الكاميرا هنا لا تُنقذ، بل تكشف، تُعرّي، والضوء يصبح سكينًا. من تطلب التتويج، تُعرّض نفسها للعقاب، ومن تسعى للحب تُقدم قربانًا.

الإخراج: الحافة بين الطعنة والظل

الإخراج لا يستعرض العنف بل يترك أثره يتسرّب بهدوء: اليد المرتعشة، النظرة المترددة، ظلّ الجسد. المكان كجسد حيّ يبتلع. الموسيقى التصويرية (The Newton Brothers) ليست خلفية، بل تواطؤ صوتي، تُعيد تشكيل النوستالجيا كجنائزية.

فلسفة القناع: من يُخفي من؟

الفيلم يعيد صياغة مقولة سارتر: “الآخر هو الجحيم”، لكنه يضيف: الآخر يُعيد تشكيلك. القناع الذي ترتديه لترضى عنك الجماعة، يتحول تدريجيًا إلى سجن.

النجاة ليست خلاصًا

من بقي لم ينجُ، بل استمر في اللعبة. ومن مات، مات لأنه حلم بأن يكون نفسه. خلع التاج لا يعني الحرية، بل الفراغ. والسؤال المعلّق: هل تُعرفنا أدوارنا؟ أم هشاشتنا خلف الأقنعة؟

اليوم ميديا، موقع إخباري عربي شامل، يتناول أبرز المستجدات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ويتبع شركة بيت الإعلام العربي في لندن.